لهضم الطعام الغليظ ؟ ومن جعل الكبد رقيقةً ناعمةً لقبول الصفو اللّطيف من الغذء ولتهضم وتعمل ما هو ألطف من عمل المعدة إلّا الله القادر ؟ أترى الإهمال يأتي بشيء من ذلك ؟ (١) كلّا ، بل هو تدبير من مدبّر حكيم ، قادر عليم بالأشياء قبل خلقه إيّاها ، لا يعجزه شيءٌ وهو اللّطيف الخبير .
تبيان : الجوانح : الأضلاع ممّا يلي الصدر . وقوله عليهالسلام : لا تخل من الإخلال بالشيء بمعنى تركه . وقوله تتحيّز إمّا من الحيّز أي تسكن ، أو من قولهم : تحيّزت الحيّة : أي تلوّت .
فكّر يا مفضّل لمَ صار المخُّ الرقيق محصّناً في أنابيب العظام ؟ هل ذلك إلّا ليحفظه ويصونه ؟ لمَ صار الدم السائل محصوراً في العروق بمنزلة الماء في الظروف إلّا لتضبطه فلا يفيض ؟ لمَ صارت الأظفار على أطراف الأصابع إلّا وقايةً لها ومعونةً على العمل ؟ لمَ صار داخل الاُذن ملتوياً كهيئة الكوكب (٢) إلّا ليطّرد فيه الصوت حتّى ينتهي إلى السمع وليتكسّر حمّة الريح فلا ينكأ في السمع ؟ لمَ حمل الإنسان على فخذيه وإليتيه هذا اللّحم إلّا ليقيه من الأرض فلا يتألّم من الجلوس عليهما ، كما يألم مَن نحل جسمه وقلَّ لحمه إذا لم يكن بينه وبين الأرض حائل يقيه صلابتها ؟ من جعل الإنسان ذكراً واُنثى إلّا من خلقه متناسلاً ؟ ومن خلقه متناسلاً إلّا من خلقه مؤمّلاً ؟ ومن خلقه مؤمّلاً ومن أعطاه آلات العمل إلّا من خلقه عاملاً ؟ ومن خلقه عاملاً إلّا من جعله محتاجاً ؟ ومن جعله محتاجاً إلّا من ضربه بالحاجة ؟ ومن ضربه بالحاجة إلّا من توكّل بتقويمه ؟ ومن خصّه بالفهم إلّا من أوجب له الجزاء ؟ ومن وهب له الحيلة إلّا من ملكه الحول ؟ ومن ملكه الحول إلّا من ألزمه الحجّة ؟ من يكفيه ما لا تبلغه حيلته إلّا من لم يبلغ مدى شكره ؟ فكّر وتدبّر ما وصفته ، هل تجد الإهمال على هذا النظام والترتيب ؟ تبارك الله عمّا يصفون .
________________________
(١) في نسخة : أترى من الاهمال يأتي بشيء من ذلك .
(٢) أقول : في بعض النسخ « اللولب » مكان الكوكب وهو آلة من خشب أو حديد ذات محور ، ذي دوائر ناتئة ، وهو الذكر ، أو داخلة وهو الانثى .