عليه الأمر فيه ، فإن كان الإنسان مع ذلك لا يرعوي (١) ولا ينصرف عن المساوي فإنّما ذلك من مرحه (٢) ومن قساوة قلبه لا من خطأ في التدبير ؛ كما أنَّ الطبيب قد يصف للمريض ما ينتفع به فإن كان المريض مخالفاً لقول الطبيب لا يعمل بما يأمره ولا ينتهي عمّا ينهاه عنه لم ينتفع بصفته ولم يكن الإساءة في ذلك للطبيب بل للمريض حيث لم يقبل منه ، ولئن كان الإنسان مع ترقّبه للموت كلَّ ساعة لا يمتنع عن المعاصي فإنّه لو وثق بطول البقاء كان أحرى بأن يخرج إلى الكبائر الفظيعة ، فترقّب الموت على كلّ حال خير له من الثقة بالبقاء ، ثمَّ إنَّ ترقّب الموت وإن كان صنف من الناس يلهون عنه ولا يتّعظون به فقد يتّعظ به صنف آخر منهم ، وينزعون عن المعاصي ويؤثرون العمل الصالح ، ويجودون بالأموال والعقائل النفيسة في الصدقة على الفقراء والمساكين ، فلم يكن من العدل أن يحرم هؤلاء الانتفاع بهذه الخصلة لتضييع اُولئك حظّهم منها .
بيان : انهمك الرجل في الأمر أي جدَّ ولجَّ . والتسلّف : الاقتراض ، كأنّه يجري معاملةً مع ربّه بأن يتصرَّف في اللّذّات عاجلاً ، ويعد ربّه في عوضها التوبة ليؤدّي إليه آجلاً . وفي بعض النسخ : يستسلف ، هو طلب بيع الشيء سلفاً .
والمعاناة : مقاساة العناء والمشقّة . ويرهقه أي يغشاه ويلحقه . وانتهاك المحارم : المبالغة في خرقها وإتيانها . والارعواء : الكفُّ عن الشيء ، وقيل : الندم على الشيء و الانصراف عنه وتركه . والمرح : شدَّة الفرح . وقال الفيروزآبادي ُّ : العقيلة من كلِّ شيء : أكرمه ، وكريمة الإبل . وقال : العقال ككتاب : زكاة عام من الإبل .
فكّر يا مفضّل في الأحلام كيف دبّر الأمر فيها فمزّج صادقها بكاذبها فإنّها لو كانت كلّها تصدق لكان الناس كلّهم أنبياء ، ولو كانت كلّها تكذب لم يكن فيها منفعة بل كانت فضلاً لا معنى له ، فصارت تصدق أحياناً فينتفع بها الناس في مصلحة يهتدي لها ، أو مضرَّة يتحذّر منها ، (٣) وتكذب كثيراً لئلّا يعتمد عليها كلَّ الاعتماد .
________________________
(١) أي لا يكف .
(٢) مرح الرجل : اشتد فرحه ونشاطه حتى جاوز القدر ، وتبختر واختال .
(٣) وفي نسخة : يتحرز منها .