غير حله قص به من رزقه الحلال وحوسب عليه. «ج ٢ ف ص ٣٥٠»
بيان : أقول : سيأتي أكثر الآيات والاخبار المتعلقة بهذا الباب في كتاب المكاسب والنفث : النفح ، والروع بالضم : العقل والقلب ، والاجمال في الطلب : ترك المبالغة فيه ، (١) أي اتقوا الله في هذا الكد الفاحش ، أو المعنى أنكم إذا اتقيتم الله لا تحتاجون إلى هذا الكد والتعب لقوله تعالى : «ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب» (٢) وهتك الستر : تمزيقه وخرقه.
ثم الظاهر من هذا الخبر وغيره من الاخبار أن الله تعالى قدر في الصحف السماوية لكل بشر رزقا حلالا بقدر ما يكفيه بحيث إذا لم يرتكب الحرام وطلب من الحلال سبب له ذلك ويسره له ، وإذا ارتكب الحرام فبقدر ذلك يمنع مما قدر له. (٣)
________________
(١) والاعتدال وعدم الافراط فيه.
(٢) الطلاق : ٣.
(٣) لا شك أن ما نشاهده من الموجودات أعم من الجماد والنبات والحيوان والانسان لا يكفيها أصل الوجود للبقاء بل تستمد في بقائها بامور اخر خارجة من وجودها اما بضمها إلى أنفسها بالاقتيات و والاغتذاء أو بوجه آخر بالايواء واللبس والتناسل ونحوها. وهذا المعنى في الانسان وسائر أقسام الحيوان أوضح ، وهو الرزق الذى عليه يتوقف بقاء أقسام الحيوان من غير فرق في ذلك بينها أصلا ، وقد قال تعالى : «وما من دابة في الارض الا على الله رزقها) الاية ، فالرزق مما لا يستغنى عنه موجود في بقائه ، واذ خلق الله هذه الاشياء لبقاء ما فقد خلق لها رزقا ، فاستناد البقاء اليه تعالى يوجب استناد الرزق اليه من غير شك قال تعالى : «فورب السماء والارض انه لحق مثل ما انكم تنطقون» الاية ، و كون الرزق بهذا المعنى أمرا تكوينيا غير مربوط بعالم التكليف كالشمس في رائعة النهار فان الحدوث والبقاء ولوازم كل منهما امور تكوينية بلا ريب.
ثم ان الانسان لما تعلق التكليف ببعض أفعاله المتعلقة بالارزاق كالاكل والشرب والنكاح واللباس ونحوها ، والرزق مما يضطر اليه تكوينا كان لازم ذلك أن لا يتعلق الحرمة والمنع الا بما له مندوحة والا كان تكليفا بما لا يطاق قال تعالى : «وما جعل عليكم في الدين من حرج» الاية ، وقال : «ان الله لا يأمر بالفحشاء» الاية ، وكان لازم ذلك أن في موارد المحرمات أرزاقا الهية محللة هي المندوحة للعبد وهى الارزاق المنسوبة اليه تعالى بحسب النظر التشريعى دون المحرمات. فتحصل أن الرزق رزقان رزق تكوينى وهو كل ما يستمد به موجود في بقائه كيف كان ، ورزق تشريعى ، وهو الحلال الذى يستمد به الانسان في الحياة دون الحرام فانه ليس برزق منه تعالى ; هذا هو الذى يتحصل من الكتاب والسنة بعد التدبر فيهما. ط