وفي قوله سبحانه : « ويوم نبعث في كل امة شهيدا عليهم من أنفسهم » : أي من أمثالهم من البشر ، ويجوز أن يكون ذلك الشهيد نبيهم الذي ارسل إليهم ، ويجوز أن يكون المؤمنون العارفون يشهدون عليهم بما فعلوه من المعاصي ، وفي هذا دلالة على أن كل عصر لا يجوز أن يخلو ممن يكون قوله حجة على أهل عصره ، وهو عدل عند الله تعالى ، وهو قول الجبائي وأكثر أهل العدل ، وهذا يوافق ما ذهب إليه أصحابنا وإن خالفوهم في أن ذلك العدل والحجة من هو؟ « وجئنا بك » يا محمد « شهيدا على هؤلاء » يريد على قومك وامتك.
وفي قوله تعالى : « وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه » : معناه : وألزمنا كل إنسان عمله من خير أو شر في عنقه كالطوق لا يفارقه ، وإنما قيل للعمل : طائر على عادة العرب في قولهم : جرى طائره بكذا ، وقيل : طائره يمنه وشؤمه وهو ما يتطير به ، و قيل : طائره حظه من الخير والشر ، وخص العنق لانه محل الطوق الذي يزين المحسن ، والغل الذي يشين المسئ ، وقيل : طائره كتابه ، وقيل : معناه : جعلنا لكل إنسان دليلا من نفسه لان الطائر عندهم يستدل به على الامور الكائنة ، فيكون معناه : كل إنسان دليل نفسه وشاهد عليها ، إن كان محسنا فطائره ميمون ، وإن أساء فطائره مشوم و « نخرج له يوم القيمة كتابا » وهو ما كتبه الحفظة عليهم من أعمالهم « يلقيه » أي يرى ذلك الكتاب « منشورا » أي مفتوحا معروضا عليه ليقرأ ويعلم ما فيه ، والهاء في « له » عائد إلى الانسان أو إلى العمل ، ويقال له : « اقرء كتابك » قال قتادة : و يقرء يومئذ من لم يكن قارئا في الدنيا « كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا » أي محاسبا ، وإنما جعله محاسبا لنفسه لانه إذا رأى أعماله يوم القيامة كلها مكتوبة ورأى جزاء أعماله مكتوبا بالعدل أذعن عند ذلك وخضع واعترف ، ولم يتهيأ له حجة ولا إنكار ، وظهر لاهل المحشر أنه لا يظلم.
وفي قوله تعالى : « كل اولئك كان عنه مسئولا » : معناه أن السمع يسأل عما سمع ، والبصر عما رأى : والقلب عما عزم عليه ، والمراد أن أصحابها هم المسؤولون ولذلك قال : « كل اولئك » وقيل : بل المعنى : كل اولئك الجوارح يسأل عما