وفي قوله تعالى : « وكفى بجنهم سعيرا » أى كفى هؤلاء المعرضين عنه في العذاب النازل بهم عذاب جهنم نارا موقدة إيقادا شديدا ، يريد بذلك أنه إن صرف عنهم بعض العذاب في الدنيا فقد أعدلهم جهنم في العقبى « كلما نضجت جلودهم » قيل فيه أقوال : أحدها أن الله سبحانه يجدد لهم جلودا غير الجلود التي احترقت على ظاهر القرآن.
ومن قال : على هذا إن الجلد المجدد لم يذنب فكيف يعذب؟ فجوابه : أن المعذب الحي ، ولا اعتبار بالاطراف والجلود ، وقال علي بن عيسى : إن ما يزاد لا يألم ولاهو بعض لما يألم ، وإنما هو شئ يصل به الالم إلى المستحق له.
وثانيها : أن الله سبحانه يجددها بأن يرد ها إلى الحالة الاولى التي كانت عليها غير محترقة ، كما يقال : جئتني بغيرذلك الوجه ، إذا كان قد تغير وجهه من الحالة الا ولى ، وكما إذا انكسر الخاتم فاتخذ منه خاتم آخر ، فيقال : هذاغير الخاتم الاول وإن كان أصلهما واحدا ، فعلى هذا يكون الجلد واحدا وإنما يتغير عليه الاحوال ، وهو اختيار الزجاج والبلخي وأبي علي الجبائي.
وثالثها : أن التبديل إنما هو للسرابيل التي ذكرها الله سبحانه : « سرابيلهم من قطران (١) » وسميت السرابيل الجلود على المجاورة للزومها الجلود ، وهذاترك للظاهر بغير دليل ، وعلى القولين الاخيرين لا يلزم سؤال التعذيب لغير العاصي ، فأما من قال : إن الانسان غير هذه الجملة المشاهدة وإنها المعذب في الحقيقة فقد تخلص من هذا السؤال.
وقوله : « ليذوقوا العذاب » معناه : ليجدوا ألم العذاب ، وإنما قال ذلك ليبين أنهم كالمبتدء عليهم العذاب في كل حال ، فيحسون في كل حالة ألما ، لا كمن يستمر به الشئ فيكون أخف عليه. وروى الكلبي عن الحسن قال : بلغنا أن جلودهم تنضح كل يوم سبعين ألف مرة.
____________________
(١) إبراهيم : ٥٠.