من الآيات والروايات بوجود ما أعد الله للعاصين لحصل العلم اليقيني بوجود النار الكبرى ، ثم ترتقي الحالة إلى الكشف عنها حتى كأنهم يشاهدونها بنفسها . وهو المراد من قوله تعالى بعد ذلك : ( ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ) .
وأما المرتبة الثالثة التي أشار إليها بقوله تعالى : ( وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ ) (١) فلا تحصل إلا لمن نظر إليها بواسطة تجرده عن العوارض وتخلية نفسه عن الشهوات ، وانقطاعه عن عالم الملك الزائل (٢) .
وإن ابنة النبوة حازت أرقى هذه المراتب التي أخبر عنها الإمام الحجة الواقف على سرائر العباد بقوله : ( غالب عليها الاستغراق مع الله ) فإن الاستغراق هنا عبارة عن الفناء في بحر العظمة الإلٰهية بحيث لا تكون لها لفتة لوازم الحياة وعوارض الدنيا الفانية .
ومن أجل ذلك أخذت بمجامع قلب أبيها وزاد حنوه عليها حتى استحقت أن يصفها المعصوم بخيرة النساء ، لما وقف عليها يوم الطف ورآها منحازة عن النسوة باكية نادبة فقال (ع) :
لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة |
|
ما دام مني الروح في جثمان |
فإذا قتلت فأنت أولى بالذي |
|
تأتينه يا خيرة النسوان |
وهل من المعقول أن حجة الله يخبر عن مبلغ ابنته من الدين وسلوكها مع الله تعالى ، ثم يصفها بخيرة النساء وهو يعلم أنها مارقة
____________________
(١) سورة الواقعة ، الآيات ٩٢ ـ ٩٣ ـ ٩٤ ـ ٩٥ .
(٢) هذه المراتب الثلاثة ذكرها ابن حجر في الفتاوي الحديثية ص ٢٢٠ .