وكان ما شاهدته السيدة سكينة « حق اليقين » وهو أرقى مراتب السالكين ، فإن أهل الكشف والسلوك بعد أن عرفوا اليقين بأنه الاعتقاد المطابق للواقع الثابت الذي لا يزول وهو في الحقيقة مؤلف من علمين : علم بالواقع ، وعلم بمحالية خلافه ، ذكروا له مراتب ثلاثاً فإنه إن حصل من الاستدلال والنظر كالعلم الحاصل بوجود النار من الدخان سموه ( علم اليقين ) .
وإن حصل بالكشف والمشاهدة كمعاينة جرم النار وكالكشف الحاصل للخلص من المؤمنين الذين اطمأنت قلوبهم بالله وتيقنوا بمعاينة قلوبهم ، إن الله نور السموات والأرض سموه ( عين اليقين ) .
وإن حصل بالاتصال المعنوي لأهل الشهود والفناء الذين لا يرون في الوجود شيئاً إلا ( ذات الحق ) تعالى شأنه كما قال سيد العارفين أمير المؤمنين (ع) : لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً (١) سموه ( حق اليقين ) .
وقد أشار الكتاب العزيز إلى هذه المراتب فقال سبحانه : ( كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ) (٢) يريد جل شأنه أنه لو حصل الاستدلال بالطرق الصحيحة والنظر فيما ورد
____________________
(١) هذه الكلمة نقلها الألوسي في تفسيره روح المعاني ج ٣ ص ٢٧ عند قوله تعالى ( كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ) عن أمير المؤمنين علي (ع) ، ومثله أبو السعود في تفسيره على هامش تفسير الرازي ج ٤ ص ٥٧٠ عند قوله تعالى في الأنفال ( وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ) والخفاجي في شرح الشفا ج ٤ ص ٤ باب عقد قلب النبي ، ونسبها عماد الدين الأموي في حياة القلوب على هامش قوة القلوب لأبي طالب المكي ج ٢ ص ٢٥١ إلى بعض السلف .
(٢) سورة التكاثر ، الآيتان ٥ و ٦ .