بالله ) وقد انعكست في مرآة نفسها لواعج الجلال والجمال الإلٰهي ، فأينما توجهت لا تجد إلا تلك الصفات المنتقشة فيها المعاني القدسية ، ولا ترى لغيرها كياناً ولا تعتبر لأي جمال خطراً ولا لأي مال معتبراً ولا تحسب ان لسوى ما شاهدته مدكراً .
وإذا كان عشق الإنسان يعشي البصر عن غير المعشوق ، ولا يشعر العاشق بكل ما يلاقيه عند توجه مشاعره نحوه ، كما لم تشعر النسوة بألم قطع المدية أيديهنّ عند توجه مشاعرهن نحو الصديق يوسف (ع) ( وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَرًا إِنْ هَـٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ ) (١) .
فالعشق الحقيقي لمظاهر الجمال الإلٰهي أولى بأن يقف سداً دون ما سواه كما لم يشعر أصحاب الحسين (ع) بما لاقوه من ألم الجروح الدامية (٢) بعد تكهربهم بولاء سيد الشهداء وتوجه مشاعرهم نحو الجمال القدسي الإلٰهي ونزوع أنفسهم إلى الغاية القصوى من القداسة .
وابنة النبوة « السيدة سكينة » بلغت من عظيم مجاهدة النفس إلى حد لم يبق لها نزوع إلا إلى صقع القداسة والاندفاع إلى مركز الفناء في الله عز وجل وليس لها لفتة إلى نواميس الحياة والانعطاف إلى لوازم المعاشرة مع الناس فهي بين عبادة وزهادة وتذكير وتفكير وهذا معنى الاستغراق مع الله تعالى .
وكانت من اللاتي شغلتهنّ الآخرة عن الأولى فلا يرين لغير المولى تعالت آلاؤه كياناً يجلب النظر إليه ، ولا إلى معاشرة من ليست هي مثلها في السلوك والرياضة .
____________________
(١) سورة يوسف ، الآية ٣١ .
(٢) الخرايج للراوندي ص ١٣٨ . ط الهند .