فيتثاقل الميزان فترتفع الكفّة الفارغة وتبقى الكفّة المشغولة فذلك خفّة ميزانه ، فأما خيراته فإنها لا تحسب بشيء منها مع الكفر.
قال الله عزّ وجل : ( وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً ).
ـ وأما المؤمنون الذين يحاسبون ، فإن أعمالهم توزن وهم فريقان : أحدهما المؤمنون المتّقون لكبائر الذنوب ، فهؤلاء توضع حسناتهم في الكفة النّيرة ، وصغائرهم ـ إن كانت لهم ـ في الكفّة الأخرى ، فلا يجعل الله لتلك الصغائر وزنا ، وتثقل الكفّة النّيرة وترتفع الكفّة الأخرى ارتفاع الفارغ الخالي ، فيؤمر بهم إلى الجنة ، ويثاب كل واحد منهم على قدر حسناته وطاعاته كما تلونا من الآيات التي ذكرناها في الموازين.
والآخر المؤمنون المخطئون ، وهم الذين يوافون القيامة بالكبائر والفواحش ، غير أنهم لم يشركوا بالله شيئا ، فحسناتهم توضع في الكفّة النّيرة ، وآثامهم وسيئاتهم في الكفّة المظلمة ، فيكون يومئذ لكبائرهم التي جاءوا بها ثقل ولحسناتهم ثقل ، إلا أن الحسنات تكون بكل حال أثقل ، لأن معها الإيمان وليس مع السيئات كفر ، ويستحيل وجود الإيمان والكفر معا لشخص واحد ، ولأن الحسنات لم يرد بها إلا وجه الله تعالى ، والسيئات لم يقصد بها مخالفة الله وعناده ، بل كان تعاطيها لداعية الهوى وعلى خوف من الله عزّ وجل وإشفاق من غضبه ، فاستحال أن تواري السيئات ـ وإن كثرت ـ حسنات المؤمن ، ولكنها عند الوزن لا تخلو من تثقيل يقع بها الميزان حتى يكون ثقلها كبعض ثقل الحسنات ، فيجري أمر هؤلاء على ما ورد به الكتاب جملة ودلّت سنّة المصطفى صلى الله عليه وسلم على تفصيلها وهو قوله عزّ وجل : ( إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ) ، وقوله : ( وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) فيغفر لمن يشاء بفضله ، ويشفّع فيمن شاء منهم بإذنه ، ويعذب من شاء منهم بمقدار ذنبه ثم يخرجه من النار إلى الجنة برحمته كما ورد به خبر الصادق.
وقد دلّ الكتاب على وزن أعمال المخلطين من المؤمنين وهو قوله عزّ وجل : ( وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ