وهذا الوعيد بالإطلاق لا يكون إلا للكفّار ، فإذا جمع بينه بين قوله : ( وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها ) ثبت أن الكفار يسألون عن كل ما خالفوا به الحق من أصل الدين وفروعه ، إذ لو لم يسألوا عمّا وافقوا فيه أصل تدينهم من ضروب تعاطيهم ولم يحاسبوا بها لم يعتدّ بها في الوزن أيضا ، وإذا كانت موزونة في وقت الوزن دلّ ذلك على أنهم محاسبون بها في موقف الحساب والله أعلم.
وهذا على قول من قال في الكفّار انهم مخاطبون بالشرائع وهو الصحيح لأن الله عزّ وجل يقول : ( وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ ) فتوعدهم على منع الزكاة وأخبر عن المجرمين أنهم يقال لهم : ( ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ ) فبان بهذا أن المشركين مخاطبون بالإيمان وبالبعث وبإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأنهم مسئولون عنها مخاطبون بها مجزون على ما أخلّوا به منها والله أعلم.
واختلفوا في كيفية الوزن ، فذهب ذاهبون إلى أن الكافر قد تكون منه صلة الأرحام ، ومواساة الناس ، ورحمة الضعيف ، وإغاثة اللهفان ، والدفع عن المظلوم ، وعتق المملوك ونحوها مما لو كانت من المسلم لكانت برّا وطاعة ، فمن كان له أمثال هذه الخيرات من الكفّار فإنها تجمع وتوضع في ميزانه لأن الله تعالى قال : ( فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ).
فتأخذ من ميزانه شيئا غير أن الكفر إذا قابلها رجح بها ، وقد حرّم الله الجنة على الكفّار ، فجزاء خيراته أن يخفّف عنه العذاب فيعذّب عذابا دون عذاب ، كأنه لم يصنع شيئا من الخيرات.
وقال البيهقي : وذهب ذاهبون إلى أن خيرات الكافر لا توزن ليجزى بها بتخفيف العذاب عنه إنما توزن قطعا لحجته ، حتى إذا قابلها الكفر رجح بها وأحبطها ، أو لا توزن أصلا ولكن يوضع كفره أو كفره وسائر سيئاته في إحدى كفّتيه ، ثم يقال له : هل لك من طاعة نضعها في الكفّة الأخرى؟ فلا يجدها ،