يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل ، ودعوى الرسل يومئذ : اللهمّ سلم سلم ، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان ، هل رأيتم شوك السعدان »؟ قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : « فإنها مثل شوك السعدان ، غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله عزّ وجل ، تخطف الناس بأعمالهم ، فمنهم من يوبق بعمله ، ومنهم من يخردل ثم ينجو ، حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار ، أمر الملائكة أن أخرجوا من كان يعبد الله ، فيخرجونهم ويعرفونهم بأثر السجود ، وحرّم الله على النار أن تأكل أثر السجود ، فيخرجون من النار قد امتحشوا فيصبّ عليهم ماء الحياة ، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ، ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد (٢) ، ويبقى رجل بين الجنة وبين النار هو آخر أهل الجنة دخولا الجنة مقبل بوجهه على النار ، يقول : يا رب اصرف وجهي عن النار ، فإنه قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها ، فيقول الله عزّ وجل : فهل عسيت إن فعلت ذلك أن تسأل غير ذلك؟
فيقول : لا وعزّتك ، فيعطي ربه ما شاء الله من عهد وميثاق ، فيصرف الله وجهه عن النار ، فإذا أقبل بوجهه على الجنة فرأى بهجتها ، فيسكت ما شاء الله أن يسكت ثم قال : يا رب قدّمني عند باب الجنة ، فيقول الله عزّ وجل له : ألست قد أعطيت العهود والمواثيق ألاّ تسأل غير الذي كنت سألت؟ فيقول : يا رب لا أكون أشقى خلقك ، فيقول : هل عسيت إن أعطيت ذلك أن تسأل غيره؟ فيقول : لا وعزّتك لا أسألك غير ذلك ، فيعطي ربه عزّ وجل ما شاء من عهد وميثاق ، فيقدمه إلى باب الجنة فإذا بلغ بابها انفهقت له فرأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور ، فيسكت ما شاء الله أن يسكت ثم يقول : يا رب أدخلني الجنة ، فيقول الله عزّ وجل : يا ابن آدم ما أغدرك أليس قد أعطيت العهود والمواثيق أن لا تسأل غير الذي أعطيت؟ فيقول : يا رب لا تجعلني أشقى خلقك ، فيضحك الله عزّ وجل منه (٣) ، ثم يأذن له في دخول الجنة فيقول له : تمنّ ، فيتمنى ، حتى إذا انقطع به قال الله عزّ وجل : من كذا وكذا فسل ـ يذكّره ربه ـ حتى إذا انتهت به الأماني قال الله
__________________
(٢) قال القرطبي في التذكرة ص ـ ٤٢٧ قوله : « إذا فرغ الله ». مشكل فمعنى فرغ الله من القضاء بين العباد ، أي تمّم عليهم حسابهم وفصل بينهم لأنه لا يشغله شأن عن شأن سبحانه وتعالى.
(٣) انظر معنى الضحك في حقّ الله عزّ وجل في البعث والنشور ص ـ ١٠٠ ، ١٠١.