خامساً : التدبر والنظرة الواعية : قد تظهر حقيقة إيمان الإنسان من خلال نظرته الفاحصة الواعية لمن حوله ، فحينما يرىٰ الناس منهمكين في إعمار دنياهم وتخريب دينهم ، فيؤثرون الفاني علىٰ الباقي ، يدرك ـ حينئذٍ ـ أنّ هؤلاء عقلاء في دنياهم حمقاء في دينهم. فهذه النظرة وذلك الإدراك يكشفان عن وصول الإنسان لحقيقة الإيمان الواعي. ومن هنا قال الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم لأبي ذر الغفاري ; : « يا أبا ذرّ لا تصيب حقيقة الإيمان حتىٰ ترىٰ الناس كلّهم حمقاء في دينهم ، عقلاء في دنياهم » (١). وقد ورد عن الإمام الصادق عليهالسلام ما يشير إلىٰ ذلك بقوله : « لن تكونوا مؤمنين حتىٰ تعدّوا البلاء نعمة والرَّخاء مصيبة » (٢).
ولا تكفي ـ بطبيعة الحال ـ النظرة الواعية في تحقق الإيمان الكامل بل لا بدَّ من موقف معاكس ومخالف لما عليه عامة الناس وهو إيثار الباقي علىٰ الفاني والعزوف عن الدنيا الفانية..
لقي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوماً حارثة.. فقال له : « كيف أصبحت يا حارثة ؟ فقال : أصبحت يا رسول الله مؤمناً حقاً ، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنَّ لكلِّ إيمان حقيقة ، فما حقيقة إيمانك ؟ قال : عزفت نفسي عن الدنيا ، وأسهرت ليلي وأظمأت نهاري فكأني بعرش ربي وقد قرب للحساب وكأني بأهل الجنة فيها يتراودون ، وأهل النار فيها يعذّبون.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنت مؤمن نور الله الإيمان في قلبك ، فاثبت ثبتك
______________
١) مكارم الأخلاق ، للطبرسي : ٤٦٥.
٢) تحف العقول : ٣٧٧.