الآخر ، وهذا الفصل هو النهي أو المنع عن الترك وعدمه ، فإنّ هذا يميّز الوجوب عن الاستحباب ؛ لأنّ الوجوب فيه حيثيّة الإلزام فيكون طلبا للفعل مع النهي عن تركه بينما الاستحباب ليس فيه حيثيّة الإلزام ؛ لأنّه يجوز تركه فكان طلبا للفعل مع عدم النهي عن الترك.
وفيه : أنّه تقدّم سابقا في بحث دلالة الأمر على الوجوب عدم تماميّة هذا لنحو من التركيب ؛ وذلك لأنّ هذه الخصوصيّة المميّزة للوجوب وهي ( المنع عن الترك ) هي نفسها الجنس للتحريم ، فيكون الوجوب حينئذ مركّبا من جنسين وهذا مستحيل في نفسه.
والصحيح هو : أنّ الوجوب مركّب من ( طلب الفعل ) الذي هو الجنس ، ومن عدم الترخيص في الترك ، بينما الاستحباب مركّب من ( طلب الفعل ) الذي هو الجنس ، ومن الترخيص في الترك.
وقال البعض : إنّه بملاك الملازمة ؛ وذلك لأنّ المولى بعد أمره بالفعل يستحيل أن يرخّص في الترك ، وعدم الترخيص يساوق التحريم.
والجواب : أنّ عدم الترخيص في الترك يساوق ثبوت حكم إلزامي ، وهو كما يلائم تحريم الترك ، كذلك يلائم إيجاب الفعل ، فلا موجب لاستكشاف التحريم.
القول الثالث : دعوى أنّ الأمر بشيء يقتضي النهي عن ضدّه العامّ بملاك الملازمة والتلازم بينهما.
والوجه في ذلك : هو أنّ المولى إذا أمر بفعل فيستحيل أن يرخّص في تركه ؛ لأنّه إذا أمر بالصلاة مثلا ثمّ رخّص في تركها فيلزم منه اجتماع الضدّين : هما الوجوب والترخيص ، وهما متنافيان في عالم المبادئ والملاكات كما هما متنافيان في عالم الامتثال والمتطلّبات.
وعليه ، فإذا استحال الترخيص في الترك فلازم ذلك تحريم الترك ، وهو المطلوب.
وبهذا يكون تحريم الترك أو المنع عن الترك لازم عقلي للأمر بالشيء ، ممّا يعني أنّ وجوب الشيء يستلزم تحريم تركه أو المنع من الترك أي المنع عن الضدّ العامّ.
وجوابه : أنّنا نسلّم بأنّ المولى إذا أمر بشيء فيستحيل أن يرخّص فيه ، إلا أنّنا لا