وذلك لأنّ جملة من أطرافه قد تنجّزت فيها التكاليف بالأمارات والحجج الشرعيّة المعتبرة من ظهور آية وخبر ثقة واستصحاب مثبت للتكليف ، وفي كلّ حالة من هذا القبيل تجري البراءة في بقيّة الأطراف ، ويسمّى ذلك بالانحلال الحكمي كما تقدّم.
الجواب الثاني : دعوى الانحلال الحكمي ، ويوجد تقريبان لبيان دعوى الانحلال هذه.
التقريب الأوّل : أنّ العلم الإجمالي إنّما يكون منجّزا ـ بناء على مسلك الاقتضاء ـ فيما إذا توفّرت شروط أربعة هي :
١ ـ العلم بالجامع ، وإلا لكانت الشبهة بدويّة فتجري فيها البراءة.
٢ ـ عدم سريان العلم من الجامع إلى الفرد ، وإلا لكان الفرد المعيّن منجّزا دون غيره.
٣ ـ أن تجري الأصول الترخيصيّة في كلّ الأطراف ، أي لا يكون هناك مانع من جريانها في نفسها بلحاظ كلّ طرف.
٤ ـ أن يكون جريان الأصول الترخيصيّة في كلّ الأطراف موجبا للمخالفة القطعيّة للمعلوم بالإجمال.
وهنا نقول : إنّ العلم الإجمالي الكبير ليس منجّزا لاختلال الركن الثالث من أركان المنجّزيّة ؛ وذلك لأنّ هذا العلم الإجمالي شامل لكلّ الشبهات ، أي أنّنا نعلم بتكاليف إلزاميّة في مجموع الشبهات ، إلا أنّ بعض هذه الشبهات قد تنجّزت.
إمّا لوجود دليل قرآني يثبت التكليف الإلزامي كحرمة لحم الكلب والخنزير مثلا ، أو وجوب الصلاة والصوم ونحوها.
وإمّا لوجود دليل روائي كقيام خبر الثقة على الوجوب أو الحرمة.
وإمّا لوجود أصل عملي يثبت التنجيز كالاستصحاب المثبت للإلزام أي الوجوب والحرمة فيما إذا كانتا متيقّنتين سابقا. وإلى غير ذلك من الحجج والأمارات والأصول.
وحينئذ فإنّ هذه الشبهات التي تنجّزت سوف تخرج عن العلم الإجمالي ؛ لأنّ الأصول الترخيصيّة لا تجري فيها ؛ لكونها منجّزة على المكلّف فلم تعد مشكوكة.
وأمّا الشبهات الأخرى فتجري فيها الأصول الترخيصيّة من دون معارض ؛ لكونها