بلحاظها تعبّدا أيضا ، وبذلك ينحلّ العلم الإجمالي تعبّدا ؛ لأنّ العلم بالجامع سرى إلى الفرد فصار هناك علم تفصيلي بالفرد.
وأمّا الأفراد والشبهات الأخرى فهي مشكوكة بدوا ؛ لأنّ العلم زال عن الجامع فتجري فيها الأصول الترخيصيّة بلا محذور.
وبتعبير آخر : كما أنّ العلم الوجداني يوجب انحلال العلم الإجمالي كذلك العلم التعبّدي ، غاية الأمر أنّ الانحلال في الأوّل حقيقي بينما في الثاني حكمي.
فمثلا إذا علمنا بنجاسة أحد الإناءين ثمّ علمنا بنجاسة هذا الإناء بعينه بنفس النجاسة المعلومة بالإجمال فهذا انحلال حقيقي لسريان العلم من الجامع إلى الفرد حقيقة ، وكذا في المثال المذكور إذا أخبرنا الثقة بأنّ هذا الإناء هو النجس دون ذاك ، فإنّه على مسلك العلميّة والطريقيّة يوجب العلم التعبّدي ويلغي الشكّ تعبّدا فيسري العلم من الجامع إلى الفرد تعبّدا ، ولذلك يسمّى بالانحلال التعبّدي أو الحكمي.
ومقامنا من هذا القبيل ؛ لأنّ حجّيّة الأمارات والأصول معناها جعلها علما تعبّدا فيسري العلم من الجامع إلى كلّ شبهة ثبت فيها الأصل أو الأمارة المثبتان للتكليف ، وبالتالي تكون الشبهات الأخرى مشكوكة بدوا ، إذ العلم بالجامع قد سرى إلى الفرد بحسب الفرض.
ويرد على هذا التقريب :
إنّ الملاك في وجوب الموافقة القطعيّة للعلم الإجمالي هو التعارض بين الأصول في أطرافه كما تقدّم (١) ، وليس هو العلم الإجمالي بعنوانه ، فلا أثر للتعبّد بإلغاء هذا العنوان وإنّما يكون تأثيره عن طريق رفع التعارض ، وذلك بإخراج موارد الأمارات المثبتة للتكليف عن كونها موردا لأصالة البراءة ؛ لأنّ الأمارة حاكمة على الأصل ، فتبقى الموارد الأخرى مجرى لأصالة البراءة بدون معارض ، وبذلك يختلّ الركن الثالث ويتحقّق الانحلال الحكمي من دون فرق بين أن نقول بمسلك جعل الطريقيّة وإلغاء الشكّ بدليل الحجّيّة أو لا.
__________________
(١) في بحث العلم الإجمالي من أبحاث الأصول العمليّة من الحلقة الثانية ، تحت عنوان :
تحديد أركان هذه القاعدة.