وهذا التقريب غير تامّ ؛ لأنّه لا يوجب الانحلال الحكمي ، ما لم يرجع إلى التقريب السابق.
وتوضيح ذلك : أنّ العلم الإجمالي إنّما يكون منجّزا لجميع أطرافه وموجبا للموافقة القطعيّة على أساس أنّ الأصول الترخيصيّة الجارية في كلّ أطرافه سوف تؤدّي إلى الوقوع في المخالفة القطعيّة للمعلوم بالإجمال هذا من جهة.
ومن جهة أخرى أنّ تعارض الأصول الترخيصيّة الجارية في جميع الأطراف يمنع من جريانها في بعض الأطراف ؛ لأنّه ترجيح بلا مرجّح ، ويمنع من جريانها في جميع الأطراف ؛ لكونه مؤدّيا للوقوع في المخالفة القطعيّة ، فيتعيّن عدم جريانها في شيء لتعارضها وتساقطها.
إذا فالملاك في وجوب الموافقة القطعيّة لكلّ الأطراف هو تعارض الأصول الترخيصيّة وعدم إمكان الأخذ بها في بعض الأطراف أو في جميعها.
وليس الملاك لذلك هو نفس العلم الإجمالي بناء على المسلك الصحيح ؛ لأنّه إنّما يتمّ ذلك لو قيل بأنّه علّة لحرمة المخالفة ووجوب الموافقة القطعيّة ، وهذا لا يقول به الميرزا ولا مدرسته ، وإنّما هذا مسلك المحقّق العراقي كما تقدّم في الحلقة السابقة وكما سيأتي هنا.
وحينئذ ، فإن كان المقصود من الانحلال الحكمي ما تقدّم من اختلال الركن الثالث فهو صحيح سواء كان العلم الإجمالي موجودا أم لا ، إذ وجوده وعدمه لا يؤثّر في الانحلال وعدمه.
وإن كان المقصود أنّ الانحلال الحكمي يتحقّق باختلال الركن الأوّل وهو زوال العلم عن الجامع تعبّدا وسريانه إلى الفرد ، كذلك مع كون الركن الثالث لا يزال موجودا فهو غير صحيح ؛ لأنّ المنجّزيّة من آثار تعارض الأصول ، فإن كانت الأصول الترخيصيّة لا تزال متعارضة فكيف تزول المنجّزيّة مع وجود ملاكها وسببها؟!
ومجرّد القول بأنّ العلم الإجمالي المتعلّق بالجامع قد ألغي تعبّدا لا يفيد في زوال المنجّزيّة ، إذ لا تأثير له في إيجادها ليكون مؤثّرا في زوالها.
نعم ، هذا الإلغاء التعبّدي يفيد في تفسير زوال المنجّزيّة بأن يقال : إنّه مع قيام الأمارات المثبتة للتكليف يثبت العلم التعبّدي في هذه الشبهات ، وبالتالي لا تجري