يتحقّق الامتثال بإكرامه هو أو لا يتحقّق كذلك؟ فيكون من الشكّ في المكلّف به.
ولا يعقل هنا الشموليّة ؛ لأنّه من الواضح أنّ المكلّف لا يجب عليه الاغتسال بكلّ ماء في الوجود ، بل بصرف الوجود ومطلقه ، وفي الفقير لا يجب إلا إكرام فقير واحد ؛ لأنّ حيثيّة التنكير تدلّ على ذلك.
وعلى هذا الضوء يعرف أنّ لجريان البراءة إذن ميزانين :
أحدهما : أن يكون المشكوك من قيود التكليف الدخيلة في فعليّته.
والآخر : أن يكون إطلاق التكليف بالنسبة إليه شموليّا لا بدليّا.
وبهذا ظهر أنّ الميزان لمعرفة كون الشكّ في التكليف وبالتالي موردا لجريان البراءة ، أحد أمرين :
الأوّل : أن يكون الشكّ في قيود التكليف ، بمعنى أنّ المشكوك قيد دخيل في فعليّة التكليف ، فإذا شكّ في وجوده وعدمه فسوف يشكّ في فعليّة التكليف وعدمها فتجري البراءة.
كما إذا قيل : ( إذا حصل الخسوف فتجب صلاة الآيات ) وشكّ في حصول الخسوف ، فهنا الخسوف قيد دخيل في فعليّة وجوب صلاة الآيات ، بمعنى أنّ تحقّقه في الخارج يوجب فعليّة الصلاة على المكلّف ، وإذا لم يتحقّق فلا تجب الصلاة فعلا على المكلّف وإن كانت ثابتة في عالم الجعل والتشريع ، فالشكّ في هذا القيد شكّ في التكليف المجعول الجزئي ، وهو مجرى للبراءة.
الثاني : أن يكون إطلاق التكليف بالنسبة للمشكوك شموليّا لا بدليّا ، كما تقدّم بيانه آنفا.
والنكتة فيه هي أنّ الشموليّة تعني انحلال الحكم إلى أحكام عديدة ، بحيث يكون لكلّ فرد ومصداق على تقدير كونه مصداقا وفردا حكما مستقلاّ عن الفرد الآخر ، فله امتثال خاصّ به وعصيان كذلك ، فإنّه على هذا يكون الشكّ فيه شكّا في تكليف زائد فتجري البراءة.
فإن قيل : إنّ مردّ الشكّ في الموضوع الخارجي إلى الشكّ في قيد التكليف ؛ لأنّ الموضوع قيد فيه ، فحرمة شرب الخمر مقيّدة بوجود الخمر خارجا ، فمع الشكّ في خمريّة المائع يشكّ في فعليّة التكليف المقيّد ، وتجري البراءة.