مستحيل ، فلا بدّ أن تكون هذه الأدلّة الشرعيّة إرشاديّة إلى حكم العقل بحسن الاحتياط ، ولا يمكن أن يحمل على ما هو الظاهر منها من كونها أحكاما تأسيسيّة ومولويّة ، والوجه في الاستحالة أمران :
الأوّل : أنّه لغو ؛ لأنّه إن أريد باستحباب الاحتياط الإلزام به فهو غير معقول ، وإن أريد إيجاد محرّك غير إلزاميّ نحوه فهذا حاصل بدون جعل الاستحباب ؛ إذ يكفي فيه نفس التكليف الواقعي المشكوك بضمّ استقلال العقل بحسن الاحتياط واستحقاق الثواب عليه ، فإنّه محرّك بمرتبة غير إلزاميّة.
الوجه الأوّل : أنّ جعل الاستحباب الشرعي للاحتياط لغو ؛ وذلك لأنّه إن أريد من جعل الاستحباب له كون الاحتياط لازما وواجبا فهو غير معقول في نفسه ، إذ المفروض كونه مستحبّا فكيف يلزم المكلّف به؟!
وإن أريد باستحبابه كونه محرّكا للمكلّف نحو الفعل لا على وجه اللزوم فهذا وإن كان معقولا في نفسه ولكنّه لغو أيضا ؛ لأنّ المحرّك نحو الفعل ثابت بحكم العقل القاضي بحسنه ، فيكون جعل المحرّك مع وجوده تحصيلا للحاصل ، بل المحرّكيّة ثابتة بنفس احتمال التكليف الواقعي المشكوك حفاظا على مصلحة الواقع على تقدير ثبوتها ، وفرارا من الوقوع في المفسدة أو فوات المصلحة على تقدير ثبوت التكليف واقعا.
فإنّ العقل هنا يحكم بحسن الاحتياط واستحقاق المحتاط للثواب على ذلك عقلا ، ولو من باب الانقياد. فالمحرّك غير الإلزامي إذا موجود بحكم العقل فلا معنى لإيجاده ، فتكون الأدلّة محمولة على الإرشاد لما حكم به العقل.
الثاني : أنّ حسن الاحتياط كحسن الطاعة وقبح المعصية واقع في مرحلة متأخّرة عن الحكم الشرعي ، وقد تقدّم المسلك القائل بأنّ الحسن والقبح الواقعيّين في هذه المرحلة لا يستتبعان حكما شرعيّا.
الوجه الثاني : ما أفاده الميرزا بناء على مسلكه في مسألة الحسن والقبح العقليّين والملازمة بينهما وبين حكم الشارع ، حيث قال : إنّ الملازمة بين حكم العقل وحكم الشارع إنّما تكون فيما إذا كان الحكم العقلي واقعا في سلسلة علل الأحكام من المصالح والمفاسد ، لا فيما إذا كان الحكم العقلي واقعا في سلسلة معلولات الأحكام.