كما هو الحال في خصال كفّارة الإفطار العمدي ، فإنّ الواجب منها الفرد المردّد لا أحدها المعيّن ولا الجامع.
وهنا اختار نفس ما اختاره هناك ، فالعلم الإجمالي عنده متعلّق بالفرد المردّد ، ويدلّ على اختياره لذلك أنّه عند ما اعترض على كون الواجب التخييري هو الواجب الواحد المردّد بقوله : ( إنّ الوجوب صفة وكيف تتعلّق الصفة بالواحد المردّد ، من حيث إنّ الموصوف لا بدّ أن يكون معيّنا في الواقع لكي يتّصف بصفة ، فإنّ الصفة عبارة عن الحكم والحكم لا يكون على المجهول أو المردّد ، بل على المشخّص والمتعيّن؟ ).
فأجاب عن ذلك بأنّ الواحد المردّد لا مانع من تعلّق الوجوب به ؛ لأنّه يتعلّق به العلم الإجمالي ، والمفروض أنّ الوجوب صفة اعتباريّة وليست حقيقيّة ، بينما العلم الإجمالي صفة حقيقيّة ذات الإضافة ، فيما أنّ العلم الإجمالي يمكن تعلّقه بالفرد المردّد مع كونه صفة حقيقيّة ، فمن الأولى أن يتعلّق الوجوب الذي هو صفة اعتباريّة بالفرد المردّد ؛ لأنّ الاعتبار سهل المئونة.
والحاصل : أنّ صاحب ( الكفاية ) اختار في العلم الإجمالي كونه متعلّقا في الفرد المردّد ، فإذا علمنا بوجوب صلاة الظهر أو الجمعة يوم الجمعة ، فهذا معناه أنّنا نعلم بالفرد المردّد بين هذين الفردين ، فليس العلم الإجمالي مقتصرا على الجامع ، بل يسري منه إلى الفرد لكن لا إلى الفرد المعيّن الشخصي بحدّه المتميّز به عن الآخر ؛ لوضوح أنّ الظهر بحدّها الذي يميّزها عن الجمعة ليست معلومة ، وكذا الكلام في الجمعة ، وإلا لكان لدينا علم تفصيلي بالفرد المتعيّن والمتشخّص بحدّه.
فالعلم إذا يسري من الجامع إلى الفرد من دون أن يكون لهذا الفرد تشخّص في حدّ معيّن ، وإنّما هذا الفرد حدّه مردّد بين الحدّين ، فلا هو ذاك بعينه ولا هذا بعينه ، وإنّما هو أحد الفردين والحدّين.
ويمكن الاعتراض عليه بأنّ المشكلة ليست هي مجرّد أنّ المردّد كيف يكون لوصف من الأوصاف نسبة وإضافة إليه؟ بل هي استحالة ثبوت المردّد ووجوده بما هو مردّد ؛ وذلك لأنّ العلم له متعلّق بالذات وله متعلّق بالعرض ، ومتعلّقه بالذات هو الصورة الذهنيّة المقوّمة له في أفق الانكشاف ، ومتعلّقه بالعرض هو مقدار ما يطابق هذه الصورة من الخارج.