والوجه في ذلك : أنّ التنجّز يتحدّد بالمقدار الذي تمّ عليه العلم والبيان كما تقدّم ، وهو هنا الجامع بحدّه الجامعي فقط ، فيكون الواجب على المكلّف موافقة هذا الجامع فقط ، وهذا يتحقّق بامتثال فرد من أفراده ، وبالتالي تحصل الموافقة القطعيّة بالإتيان بفرد واحد ، ولا تحصل المخالفة أصلا ولو الاحتماليّة.
وبكلمة أخرى : أنّ الإتيان بفرد وترك الفرد الآخر يحتمل أن يكون فيه موافقة للواقع ويحتمل أن يكون فيه مخالفة للواقع ، إلا أنّ المفروض هنا أنّ الواقع ليس هو المنجّز ؛ لأنّ المحقّق الأصفهاني لا يقول بتعلّق العلم الإجمالي بالفرد لا الواقعي ولا المردّد وإنّما يقول بتعلّقه بالجامع فقط ، والجامع كما قلنا يتحقّق وجوده وامتثاله في الخارج بالإتيان بفرد من أفراده ، والمفروض أنّه قد أتى به فلا مخالفة أصلا.
ففرق بين مخالفة الواقع وبين مخالفة الجامع ، فإنّ مخالفة الواقع القطعيّة تكون بترك الطرفين والاحتماليّة تكون بترك فرد والإتيان بفرد.
وأمّا مخالفة الجامع فهي لا تكون إلا بعدم الإتيان بالفردين فقط ، وأمّا الإتيان بفرد وترك الآخر أو الإتيان بالفردين معا فهذه تعتبر موافقة قطعيّة للجامع ؛ لأنّه يتحقّق ضمن الفرد الأوّل في الخارج ولا حاجة للفرد الثاني سواء وجد أم لا.
الثاني : ما ذهبت إليه مدرسة المحقّق النائيني (١) ( قدس الله روحه ) ، فإنّها مع اعترافها بأنّ العلم الإجمالي لا يستدعي وجوب الموافقة القطعيّة بصورة مباشرة ؛ لأنّه لا ينجّز أزيد من الجامع ، قامت بمحاولة لإثبات استتباع العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعيّة بصورة غير مباشرة ، وهذه المحاولة يمكن تحليلها ضمن الفقرات التالية :
التقريب الثاني : ما أفادته مدرسة الميرزا ، فهي بعد اعترافها بأنّ العلم الإجمالي لا يستدعي بنفسه وجوب الموافقة القطعيّة ؛ لأنّه إنّما ينجّز مقدار الجامع فقط ، والجامع يكفي في إيجاده وتحقّقه أي فرد من أفراده ، إلا أنّها مع ذلك قامت بالاستدلال على وجوب الموافقة القطعيّة لأطراف العلم الإجمالي بصورة غير مباشرة ، وهذه المحاولة تقع في نقاط أربع :
أوّلا : أنّ العلم الإجمالي يستدعي حرمة المخالفة القطعيّة.
__________________
(١) راجع : أجود التقريرات ٢ : ٢٤٢ ـ ٢٤٣.