وتوضيحه : أنّ أحد الإناءين منجّز بالأمارة والآخر منجّز بالأمارة والعلم الإجمالي ، والأصول الترخيصيّة الجارية في الإناء المنجّز بالعلم الإجمالي تتعارض مع الأصول الترخيصيّة في الإناء المنجّز بالعلم الإجمالي وبالأمارة أو بالأصل قبل ثبوت الأمارة والأصل.
وهذه المعارضة تظلّ ثابتة حتّى بعد قيام الأمارة أو الأصل ، فيكون هناك منجّزان لأحد الإناءين ، وثبوت منجّزين على شيء واحد لا مانع فيه عقلا ؛ لأنّه ليس بابه باب العلل والأسباب الحقيقيّة ، بل بابه باب الاعتبار ، وبهذا اللحاظ يحقّ للشارع أن يعتبر ما يشاء منجّزا لأحكامه ، وحينئذ تكون مخالفة الإناء المنجّز بمنجّزين أشدّ وأقبح من مخالفة الإناء المنجّز بمنجّز واحد فقط.
وبتعبير آخر : أنّ العلم الإجمالي من أوّل الأمر ـ بعد قيام الأمارة أو الأصل ـ يكون دائرا بين طرفين أحدهما قصير والآخر طويل.
أمّا الفرد القصير فهو نجاسة هذا الإناء إلى حين قيام الأمارة أو الأصل على تنجيزه ، وأمّا الفرد الطويل فهو نجاسة الإناء الآخر إلى ما شاء الله.
والأصول الترخيصيّة الجارية في كلّ آنات الفرد القصير تتعارض مع الأصول الترخيصيّة الجارية في كلّ آنات الفرد الطويل ، فيكون الفرد الطويل متنجّزا بالعلم الإجمالي من أوّل الأمر على امتداد آناته الزمنيّة.
وأمّا الفرد القصير فلا يكون منجّزا بالعلم الإجمالي بعد قيام الأمارة أو الأصل على تنجيزه لانتهاء أمده ، وهذا لا يضر بمنجّزيّة العلم الإجمالي كما تقدّم سابقا ؛ لأنّ مجرّد تحقّق أحد الطرفين لا يعني جواز ارتكاب الآخر. نعم ، الإناء الذي تنجّز بالأمارة أو بالأصل يبقى منجّزا أيضا كالفرد الطويل إلا أنّه منجّز بالأمارة أو بالأصل لا بالعلم الإجمالي ؛ لأنّ طرفيّته للعلم الإجمالي ترتفع وتنتهي بعد قيام الأمارة أو الأصل ، نظير الاضطرار أو التلف أو التطهير.
ومن هنا يعرف أنّ انهدام الركن الثالث بالمنجّز الشرعي مرهون بعدم تأخّر نفس المنجّز عن العلم ، ولا يكفي عدم تأخّر مؤدّى الأمارة مثلا مع تأخّر قيامها ؛ وذلك لأنّ سقوط العلم الإجمالي عن التنجيز في حالات قيام المنجز الشرعي في بعض أطرافه إنّما هو بسبب المنجّزيّة الشرعيّة بإحدى الصيغتين السابقتين ، والمنجّزيّة