العذاب مع عدم بعث الرسول ، إلا أنّ الاستدلال بها على البراءة لا يتمّ إذا اقتصرنا على موردها وهو الرسول ؛ لأنّنا نريد أن نثبت البراءة بعد بعث الرسول لا قبله ، ولذلك يحمل الرسول فيها على مطلق البيان للتكليف ، إذ التكليف كما يأتي من الرسول كذلك يأتي من الإمام أيضا ومن الاحتياط ؛ لأنّه يصدق في مورد الاحتياط أنّه بعث وبيان التكليف.
وعليه فمع عدم بيان التكليف بأي نحو من أنحاء البيان ولو بالاحتياط ظاهرا تثبت البراءة وإلا فلا.
والبيان هنا كما يتمّ من الشرع يتمّ من العقل أيضا كما في الملازمات العقليّة ، كوجوب السورة أو حرمة الضدّ ونحو ذلك.
وقد يعترض على ذلك تارة بأنّ الآية الكريمة إنّما تنفي العقاب لا استحقاقه ، وهذا لا ينافي تنجّز التكليف المشكوك ، إذ لعلّه من باب العفو.
الاعتراض الأوّل : ما ذكره صاحب ( الكفاية ) وغيره من أنّ الآية إنّما يتمّ الاستدلال بها لو كان المراد من نفي العذاب قبل بعث الرسول ومطلق البيان هو نفي الاستحقاق للعذاب ، فيكون المراد أنّه من عدم بعث البيان فلا يستحقّ المكلّف العذاب.
إلا أنّ الآية يحتمل كونها ناظرة إلى نفي فعليّة العذاب لا نفي الاستحقاق ، بمعنى أنّه قبل بعث البيان يكون المكلّف مستحقّا للعذاب على المخالفة ، ولكنّ الله تعالى تفضّلا منه على عباده عفا عنهم العذاب فعلا ، وهذا يستلزم أن يكون التكليف المشكوك الذي لم يقم عليه البيان منجّزا بمنجّز سابق على أساس حكم العقل مثلا.
وحينئذ لا يتمّ الاستدلال ؛ إذ لعلّه لا يعفو عنهم بعد بعث الرسول ومطلق البيان ، وعلى الأقلّ يدور الأمر بين الاحتمالين ، فتكون مجملة وقدرها المتيقّن بعث الرسول خاصّة دون غيره ؛ لأنّه مورد الآية ، فلعلّه يعاقبهم بعد تماميّة البيان من حكم العقل أو بعد بيان الاحتياط مثلا.
وأخرى بأنّها ناظرة إلى العقاب الربّاني في الدنيا للأمم السالفة ، وهذا غير محلّ البحث.
الاعتراض الثاني : ما ذكره الشيخ الأنصاري من أنّ الآية ناظرة إلى نفي العذاب