وحاصله : أن يواجههم بالاستدلال على نفي التحريم بأنّه لم يجد ما حرّموه على أنفسهم محرّما في الشريعة ، وهذا يعني أنّ عدم الوجدان للحكم يكفي للحكم بالإباحة والحلّيّة ، وأنّه لا إلزام من جهته وهذا معناه ثبوت البراءة والتأمين عن الحكم المشكوك بمجرّد عدم وجدانه في الشريعة ، وإلا لما صحّ استدلال النبي على عدم الحرمة بمجرّد عدم وجدان الحكم في الشريعة.
ويرد عليه :
أوّلا : أنّ عدم وجدان النبي صلىاللهعليهوآله فيما أوحي إليه يساوق عدم الحرمة واقعا.
وهنا عدّة اعتراضات على الاستدلال بالآية ، هي :
الاعتراض الأوّل : أنّ عدم وجدان النبي للحكم مساوق لعدم صدوره من الشارع واقعا ، فإذا لم يجد النبي هذا الشيء محرّما في الشريعة فهذا يعني أنّه لم يصدر من الشارع مثل هذا التحريم ، فيكون نظرها إلى الواقع وأنّ هذا الشيء مباح أو حلال واقعا ، لا مجرّد جعل حكم ظاهري بالإباحة والحلّيّة على الشيء الذي لم يجده النبي في الشريعة.
وبتعبير آخر : أنّ عدم وجدان النبي معناه عدم صدوره وجعله ؛ لأنّه هو المبلّغ عن الله تعالى أحكامه ، فإذا لم يكن هذا الحكم موجودا بين يديه فهذا يعني أنّه لم يصدر من الشارع أصلا.
إذا فالآية أجنبيّة عن المطلوب ، إذ نحن نريد إجراء البراءة التي هي حكم ظاهري عند الشكّ في التكليف ، بينما الآية مفادها النفي الواقعي والإباحة والحلّيّة الواقعيّة لهذا الشيء بمجرّد عدم وجدان النبي له الكاشف عن عدم الصدور والجعل واقعا ، ومحلّ كلامنا في عدم الوصول إلى المكلّف.
وثانيا : أنّه إن لم يساوق عدم الحرمة واقعا فعلى الأقلّ يساوق عدم صدور بيان من الشارع ، إذ لا يحتمل صدوره واختفاؤه على النبي ، وأين هذا من عدم الوصول الناشئ من احتمال اختفاء البيان؟
الاعتراض الثاني : أنّنا لو سلّمنا وتنزّلنا عن كون عدم الوجدان مساوقا لعدم الوجود الواقعي وقلنا بأنه يعني عدم الوصول ، إلا أنّه أيضا لا يتمّ الاستدلال بالآية