والزعامة الروحية والفكرية. فلئن كان من الصعب الإقناع بعدم كفاءة شخص في الأربعين أو الخمسين قد أحاط بقدرٍ كبير من ثقافة عصره لتسلّم الإمامة ، فليس هناك صعوبة في الإقناع بعدم كفاءة صبي أعتيادي مهما كان ذكياً وفطناً للإمام بمعناها الذي يعرفه الشيعة الاماميون (١) ، وكان هذا أسهل وأيسر من الطرق المعقدة وأساليب القمع والمجازفة التي انتهجتها السلطات وقتئذٍ.
إنّ التفسير الوحيد لسكوت الخلافة المعاصرة عن اللعب بهذه الورقة (٢) ، هو أنها أدركت أنّ الإمامة المبكرة ظاهرة حقيقية وليست شيئاً مصطنعاً.
والحقيقة أنها أدركت ذلك بالفعل بعد أن حاولت ان تلعب بتلك الورقة فلم تستطع ، والتأريخ يحدثنا عن محاولات من هذا القبيل وفشلها (٣) ، بينما لم يحدثنا إطلاقاً عن موقف تزعزعت فيه ظاهرة الإمامة المبكرة أو واجه فيه الصبّي الإمام إحراجاً يفوق قدرته أو يزعزع ثقة الناس فيه.
وهذا معنى ما قلناه من أنّ الإمامة المبكرة ظاهرة واقعية في حياة أهل البيت وليست مجرد افتراض ، كما أنّ هذه الظاهرة الواقعية لها جذورها وحالاتها المماثلة في تراث السماء الذي امتد عِبرَ الرسالات والزعامات الربانية.
ويكفي مثالاً لظاهرة الإمامة المبكرة في التراث الرباني لأهل البيت عليهمالسلام
__________________
(١) أي على انه يجب ان يكون افضل الناس ، وأعلم الناس كما هو معتقد الإمامة الاثني عشرية.
راجع : حق اليقين في معرفة أصول الدين للسيد عبد الله شبر ( ت / ١٢٤٢ هـ ) ١ : ١٤١ ، المقصد الثالث.
(٢) يقصد تقديم الإمام الصبي للأختبار أمام الملأ لإظهار حقيقة الأمر.
(٣) قد فعل المأمون ذلك ، وانكشف لدى الخاص من العلماء مدى ما يمتلكه الإمام الجواد عليهالسلام من الفقه والعلم. راجع : الصواعق المحرقة لابن حجر : ص ١٢٣.