الدين خوفا وتقية فلم يعتدبهم ، وقال آخرون : إنهم كانوا على الحق ، فقال ابن عباس كانوا بين آدم ونوح على شريعة من الحق فاختلفوا بعد ذلك ، وقيل : هم أهل سفينة نوح عليهالسلام ، فالتقدير حينئذ : كانوا امة واحدة فاختلفوا وبعث الله النبيين ، وقال المجاهد : المراد به آدم كان على الحق إماما لذريته فبعث الله النبيين في ولده ، وروى أصحابنا عن الباقر عليهالسلام أنه قال : إنه كانوا قبل نوح امة واحدة على فطرة الله لامهتدين ولاضلالا فبعث الله النبيين ، وعلى هذا فالمعنى أنهم كانوا متعبدين بما في عقولهم غير مهتدين إلى نبوة ولا شريعة. (١)
« ثم بعث الله النبيين » بالشرائع لما علم أن مصالحهم فيها « مبشرين » لمن أطاعهم بالجنة « ومنذين » لمن عصاهم بالنار « وأنزل معهم الكتاب » أي مع بعضهم « ليحكم » أي الرب تعالى ، أو الكتاب « إلا الذين اوتوه » أي اعطوا العلم بالكتاب « من بعد ما جاءتهم البينات » أي الحجج الواضحة ، وقيل : التوراة والانجيل ، وقيل : معجزات محمد (ص) « بغيا » أي ظلما وحسدا « لما اختلفوا فيه » أي للحق الذي اختلف فيه من اختلف « بإذنه » أي بعلمه أو بلطفه. (٢)
« منهم من كلم الله » وهو موسى (ع) أو موسى ومحمد (ص) « ورفع بعضهم درجات »
ـــــــــــــــ
(١) وقيل : ان لفظة « كان » يحتمل أن تكون للثبوت دون المضى ، والمراد الاخبار عن الناس انهم امة واحدة في خلوهم عن خلوهم عن الشرائع وجهلهم بالحقائق لولا أن الله من عليهم بارسال الرسل وانزال الكتب تفضلا منه.
وقيل : ان المراد من وحدة الامة ليس وحدة العقيدة والعمل بل المراد أن الله خلق الانسان بطبيعته وفطرته امة واحدة مدنيا بالطبع يرتبط بعضه ببعض في المعاش ، ويحتاج في توفية جميع ما يحتاج اليه إلى مشاركة غيره ومعاضدة افراد بنى نوعه ، لايستغنى بعضه عن بعض ، وكانوا مع ذلك ينحون في أعمالهم نحو المنافع التى يرونها لازمة لقوام معيشتهم ، ولم يمنحوا من قوة الالهام ما يعرف كلا منهم وجه المصلحة في حفظ حق غيره ليتوفر المنفعة بذلك لنفسه ، فكان لابد لهم من الاختلاف في امور معاشهم ، فأرسل الله من رحمته بهم الرسل مبشرين ومنذرين ، يبشرونهم بالخير والسعادة في الدنيا والاخرة اذا لزم كل واحد منهم ما حدد له واكتفى بماله من الحق ولم يعتد على غيره ، وينذرونهم بخينة الامل وحبوط العمل وعذاب الاخرة اذا اتبعوا شهواتهم الحاضرة و لم ينظروا العاقبة.
(٢) مجمع البيان ٢ : ٣٠٦ و ٣٠٧ مع حذف ونقل بعضها بالمعنى. م