العقوبات إلا الله ، قال ابن الانباري : إن الله أهلك امما من العرب وغيرها فانقطعت أخبارهم وعفت آثارهم ، فليس يعرفهم أحد إلا الله. وكان ابن مسعود إذا قرأ هذه الآية قال : كذب النسابون ، فعلى هذا يكون قوله : « والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله » مبتدء وخبرا « فردوا أيديهم في أفواههم » أي عضوا على أصابعهم من شدة إلغيظ ، أوجعلوا أيديهم في أفواه الانبياء تكذيبا لهم ، أي أشاروا بأيديهم إلى أفواه الرسل تسكيتا لهم ، أووضعوا أيديهم على أفواههم مومئين بذلك إلى رسل : أن اسكتوا ، أو الضميران كلاهما للرسل ، أي أخذوا أيدي الرسل فوضعوها على أفواههم ليسكتوا فسكتوا عنهم لما يئسوا منهم ، هذا كله إذا حمل معنى الايدي والافواه على الحقيقة ، و من حملهما على المجاز فقيل : المراد باليد ما نطقت به الرسل من الحجج ، أي فردوا حججهم في حيث جاءت ، (١) لانها تخرج من الافواه. أو مثله من الوجوه. (٢)
« مريب » أي يوقعنا في الريب بكم أنكم تطلبون الرئاسة وتفترون الكذب. « من ذنوبكم » أي بعضها ، لانه لا يغفر الشرك ، وقيل : وضع البعض موضع الجميع توسعا
ـــــــــــــــ
(١) في نسخة : من حيث جاءت.
(٢) أضاف السيد الرضى في تلخيص البيان : ٩٥ على هذه الوجوه وجهين آخرين : أحدهما ما نقل عن بعض أن المراد بذلك ضرب من الهزاء يفعله المجان والسفهاء اذا ارادوا الاستهزاء ببعض الناس وقصدوا الوضع منه واالازراء عليه يجعلون أصابعهم في أفواههم ويتبعون هذا الفعل بأصوات تشبهه وتجانسه ، يستدل بها على قصد السخف وتعمد الفحش. ثم قال : وهذا القول عندى بعيد من الصواب.
ثانيهما : أن يكون المراد بذلك أن الكفار كانوا اذا بدأ الرسل بكلامهم سددوا بأيديهم أسماعهم دفعة وأفواهم دفعة ، اظهارا منهم لقلة الرغبة في سماع كلامهم وجواب مقالهم ليدلوهم بذلك الفعل على أنهم لا يصغون لهم إلى مقال ولا يجيبونهم عن سؤال ، اذ قد أبهموا طريقى السماع والجواب وهما الاذان والافواه ، وشاهد ذلك قوله سبحانه حاكيا عن نوح عليهالسلام ويعنى قومه : وانى كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا فيكون معنى رد أيديهم في أفواههم أن يمسكوا أفواههم بأكفهم كما بفعل المظهر للامتناع من الكلام ، ويكون انما ذكر تعالى رد الايدى ههنا ويفيد فعل الشئ ثانيا بعد أن فعل أولا لانهم كانوا يكثرون هذا الفعل عند كلام الرسل عليهمالسلام ، فوصفوا في هذه الاية بما قدسبق لهم مثله وألف منهم فعله اه. قلت : ويمكن أن يكون المراد أنهم عضوا على أنا ملهم تعجبا أو اظهارا للتعجب مما يدعو اليه النبياء والرسل.