ثم قال إبليس : إن النار التي قبلت القربان هي المعظمة فعظمها ، واتخذلها بيتا ، واجعل لها أهلا ، وأحسن عبادتها والقيام عليها فتقبل قربانك إذا أردت ذلك ، قال : ففعل قابيل ذلك ، فكان أول من عبد النار واتخذ بيوت النيران ، وإن آدم أتى الموضع الذي قتل فيه قابيل أخاه فبكى هناك أربعين صباحا يلعن تلك الارض حيث قبلت دم ابنه ، وهو الذي فيه قبلة المسجد الجامع بالصبرة ، قال : وإن هابيل يوم قتل كانت امرأته ترك (١) الحوراء حبلى فولدت غلاما فسماه آدم باسم ابنه هابيل ، وإن الله عزوجل وهب لآدم بعد هابيل ابنا فسماه شيثا ، ثم قال : ابني هذا هبة الله ، فلما أدرك شيث ما يدرك الرجل أهبط الله على آدم حوراء يقال لهانا عمة في صورة إنسية ، فلما رآها شيث ومقها فأوحى الله إلى آدم : أن زوج ناعمة من شيث ففعل ذلك آدم فكانت ناعمة الحوراء زوجة شيث فولدت له جارية فسماها آدم حورية ، فلما أدركت أوحى الله إلى آدم أن زوج حورية من هابيل بن هابيل ففعل ذلك آدم فهذا الخلق الذي ترى من هذا النسل ، وهو قوله تعالى : « يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء » وقوله : « وخلق منها زوجها » أي من الطينة التي خلق منها آدم. قال : فلما انقضت نبوة آدم وفنى أجله أوحى الله إليه : قد انقضت نبوتك وفنيت أيامك فانظر إلى اسم الله الاعظم وما علمتك من الاسماء كلها واثرة النبوة وما يحتاج الناس إليه فادفعه إلى شيث ، وأمره أن يقبله بكتمان و تقية من أخيه لئلا يقتله كما قتل هابيل فإنه قد سبق في علمي أن لا اخلي الارض من عالم يعرف به ديني ويكون فيه نجاة لمن تولاه فيما بينه وبين العالم الذي آمره بإظهار ديني ، وأخرج ذلك من ذرية شيث وعقبه ، فدعا آدم شيثا وقال : يا بني اخرج وتعرض لجبرئيل أو لمن لقيت من الملائكة وأخبره بوجعي واسأله أن يهدي إلي من فاكهة الجنة قبل أن أموت ، وقد كان سبق في علم الله تعالى أن لا يأكل آدم من ثمار الجنة حتى يعود إليها ، (٢) فخرج شيث فلقي جماعة من الملائكة فأبلغهم ما أمره آدم ، فقال : جبرئيل : يا شيث آجرك الله في أبيك فقد قضى نحبه ، (٣) فاهبطنا لنحضر الصلاة على أبيك ، فانصرف
ـــــــــــــــ
(١) الظاهر انه مصحف « نزل » كما أشرنا.
(٢) هذا أيضا يدل على أن الجنة التى اخرج منها آدم عليهالسلام هى جنة الخلد.
(٣) قضى فلان نحبه اى مات كانما الموت نذر في عنقه.