« وفديناه بذبح عظيم » فدل هذا على أنه لما أتى بالمأمور به وقد ثبت أنه أتى بكل مقدمات الذبح ، فهذا يدل على أنه تعالى كان قد أمره بنفس الذبح ، فإذا ثبت هذا فنقول : إنه تعالى نسخ ذلك الحكم قبل إثباته ، وذلك يدل على المقصود.
وقالت المعتزلة : لا نسلم أن الله تعالى أمره بذبح الولد ، بل نقول : إنه تعالى أمره بمقدمات الذبح ، ويدل عليه وجوه :
الاول : أنه ما أتى بالذبح وإنما أتى بمقدمات الذبح ، ثم إن الله تعالى أخبر عنه بأنه أتى بما امر به بدليل قوله تعالى : « وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا » وذلك يدل على أنه تعالى إنما أمره في المنام بمقدمات الذبح لا بنفس الذبح ، وتلك المقدمات عبارة عن إضجاعه ووضع السكين على حلقه والعزم الصحيح على الاتيان بذلك الفعل.
الثاني : الذبح عبارة عن قطع الحلقوم ، فلعل إبراهيم عليهالسلام قطع الحلقوم إلا أنه كلما قطع جزءا أعاده الله التأليف ، فلهذا السبب لم يحصل الموت.
والوجه الثالث : وهو الذي عليه تعويل القوم أنه تعالى لو أمر شخصا معينا بإيقاع فعل معين في وقت معين فهذا يدل على أن إيقاع ذلك الفعل في ذلك الوقت حسن ، فإذا نهي عنه فذلك النهي يدل على أن إيقاع ذلك الفعل في ذلك الوقت قبيح ، فلو حصل هذا النهي عقيب ذلك الامر لزم أحد أمرين ، لانه تعالى إن كان عالما بحال ذلك الفعل لزم أن يقال : أمر بالقبيح أو نهى عن الحسن ، وإن لم يكن عالما به لزم جهل الله تعالى وإنه محال فهذا تمام الكلام في هذا الباب.
والجواب عن الاول أنا قد دللنا على أنه تعالى إنما أمره بالذبح ، أما قوله تعالى : « قد صدقت الرؤيا » فهذا يدل على أنه اعترف بكون ذلك الرؤيا (١) واجب العمل به ، ولا يدل على أنه أتى بكل ما رآه في ذلك المنام.
وأما قوله ثانيا : كلما قطع إبراهيم عليهالسلام جزءا أعاد الله التأليف إليه فنقول : هذا باطل لان إبراهيم عليهالسلام لو أتى بكل ما امر به لما احتاج إلى الفداء وحيث احتاج إليه علمنا أنه لم يأت بما امر به.
__________________
(١) في المصدر : تلك الرؤيا. م