وإني لاقلبها منذ عشرين سنة ، فانطلق ذو القرنين وتركه ، فقال : ما عنيت بهذا أحدا غيري.
فبينا هو يسير إذا وقع إلى الامة (١) العالمة من قوم موسى الذين يهدون بالحق وبه يعدلون ، فلما رآهم قال لهم : أيها القوم أخبروني بخبركم ، فإني قد درت الارض شرقها وغربها وبرها وبحرها وسهلها وجبلها ونورها وظلمتها فلم ألق مثلكم ، فأخبروني ما بال قبور موتاكم على أبواب بيوتكم؟ قالوا : فعلنا ذلك لئلا ننسي الموت ولا يخرج ذكره من قلوبنا ، قال : فما بال بيوتكم ليس عليها أبواب؟ قالوا : ليس فينا لص ولاظنين وليس فينا إلا أمين ، قال : فما بالكم ليس عليكم امراء؟ قالوا : لانتظالم ، قال : فما بالكم ليس بينكم حكام؟ قالوا : لا نختصم ، قال : فما بالكم ليس فيكم ملوك؟ قالوا : لا نتكاثر ، قال : فما بالكم لا تتفاضلون ولا تتفاوتون؟ قالوا : من قبل أنا متواسون متراحمون ، قال : فما بالكم لا تتنازعون ولا تختلفون؟ قالوا : من قبل الفة قلوبنا وصلاح ذات بيننا ، قال : فما بالكم لا تستبون ولا تقتلون؟ قالوا : من قبل أنا غلبنا طبائعنا بالعزم وسسنا (٢) أنفسنا بالحلم ، قال : فما بالكم كلمتكم واحدة وطريقتكم مستقيمة؟ قالوا : من قبل أنا لانتكاذب ولا نتخادع ولا يغتاب بعضنا بعضا ، قال : فأخبروني لم ليس فيكم مسكين ولا فقير؟ قالوا : من قبل أنا نقسم بالسوية ، قال : فما بالكم ليس فيكم فظ (٣) ولا غليظ؟ قالوا : من قبل الذل والتواضع ، قال : فلم جعلكم الله عزوجل أطول الناس أعمارا؟ قالوا من قبل أنا نتعاطي الحق ونحكم بالعدل ، قال : فما بالكم لا تقحطون؟ قالوا : من قبل أنا لا نغفل عن الاستغفار ، قال : فما بالكم لا تحزنون؟ قالوا : من قبل أنا وطنا أنفسنا (٤) على البلاء فعزينا أنفسنا ، (٥) قال : فما بالكم لا يصيبكم الآفات؟ قالوا : من قبل أنا
__________________
(١) في نسخة : وقع على الامة. وفى العلل : الامة العادلة.
(٢) ساس الدواب : قام عليها وراضها. ساس القوم : دبرهم وتولى أمرهم. وفى الامالى : وسبينا.
(٣) الفظ : الغليظ السئ الخلق الخشن الكلام.
(٤) وطن نفسه على الامر وللامر : هيئأها لفعله وحمله عليه ، توطنت نفسه على كذا : حملت عليه.
(٥) في العلل : فقوينا أنفسنا. م