هذه الرؤيا بعدت همته وعلا صوته وعز في قومه ، وكان أول ما أجمع عليه أمره أن قال : أسلمت لله عزوجل ، ثم دعا قومه إلى الاسلام فأسلموا هيبة له ، ثم أمرهم أن يبنوا له مسجدا فأجابوه إلى ذلك ، فأمر أن يجعل طوله أربعمائة ذراع ، وعرضه مائتي ذراع ، وعرض حائطه اثنين و عشرين ذراعا ، وعلوه (١) إلى السماء مائة ذراع ، فقالوا له : يا ذاالقرنين كيف لك بخشب يبلغ ما بين الحائطين؟ فقال لهم : إذا فرغتم من بنيان الحائطين فاكبسوه (٢) بالتراب حتى يستوي الكبس مع حيطان المسجد ، فإذا فرغتم من ذلك فرضتم على كل رجل من المؤمنين على قدره من الذهب والفضة ، ثم قطعتموه مثل قلامة الظفر (٣) وخلطتموه مع ذلك الكبس ، وعملتم له خشبا من نحاس وصفائح (٤) تذيبون ذلك وأنتم متمكنون من العمل كيف شئتم على أرض مستوية فإذا فرغتم من ذلك دعوتم المساكين لنقل ذلك التراب فيسارعون فيه (٥) من أجل ما فيه من الذهب والفضة.
فبنوا المسجد ، وأخرج المساكين ذلك التراب ، وقد استقل (٦) السقف بما فيه ، واستغنى المساكين ، فجندهم أربعة أجناد في كل جند عشرة آلاف ، ثم نشرهم في البلاد وحدث نفسه بالسير فاجتمع إليه قومه فقالوا له : يا ذا القرنين ننشدك بالله لا تؤثر علينا بنفسك غيرنا فنحن أحق برؤيتك ، وفينا كان مسقط رأسك ، وبيننا نشأت وربيت ، وهذه أموالنا وأنفسنا وأنت الحاكم فيها ، وهذه امك عجوز كبيرة هي أعظم خلق الله عليك حقا فليس ينبغي عليك أن تعصيها ولا تخالفها ، فقال لهم : والله إن القول لقولكم ، وإن الرأي لرأيكم ، ولكني بمنزلة المأخوذ بقلبه وسمعه وبصره ، يقاد ويدفع من خلفه ، لا يدري أين يؤخذ به ولا ما يراد به ، ولكن هلموا معشر قومي فادخلوا هذا المسجد واسلموا عن آخركم ولا تخالفوا علي فتهلكوا.
__________________
(١) في المصدر : وطوله. م
(٢) كبس البئر طمها بالتراب ، أى سواها ودفنها.
(٣) قلامة الظفر : ماسقط من طرفه.
(٤) في المصدر : وصفائحا من نحاس. م
(٥) في المصدر : فتسارعوا اليه لاجل. اه
(٦) أى رفع.