« وما ابرئ نفسى إن النفس لامارة بالسوء » أي تأمر بالسوء (١) فقال الملك : « ائتوني به أستخلصه لنفسي » فلما نظر إلى يوسف قال : « إنك اليوم لدينا مكين أمين » سل حاجتك « قال اجعلني على خزائن الارض إني حفيظ عليم » يعني على الكناديج والانابير ، فجعله عليها وهو قوله : « وكذلك مكنا ليوسف في الارض يتبوء منها حيث يشاء » فأمر يوسف أن يبنى كناديج من صخر ، وطينها بالكلس ، ثم أمر بزروع مصر فحصدت ودفع إلى كل إنسان حصته وترك الباقي في سنبله لم يدسه ، فوضعه في الكناديج ، ففعل ذلك سبع سنين ، فلما جاء سني الجدب كان يخرج السنبل فيبيع بما شاء. (٢)
بيان : « ماخطبكن » أي ما شأنكن ، والخطب : الامر الذي يحق أن يخاطب فيه صاحبه « حاش لله » تنزيه له وتعجب من قدرته على خلق عفيف مثله « حصحص الحق » أي ثبت واستقر من حصحص البعير. إذا القي مباركه ليناخ ، أوظهر من حص شعره : إذا استأصله بحيث ظهر بشرة رأسه. (٣) قوله : « ذلك ليعلم » إلى قوله : « وما ابرئ نفسي » هذا من كلام يوسف على قول أكثر المفسرين ، وقيل : هو من كلام امرأة العزيز كما ذكره علي بن إبراهيم والاول أشهر وأظهر.
__________________
(١) لم يتعرض عليهالسلام لامرأة العزيز مع ما صنعت به كرما ومراعاة للادب ، وقال الطبرسى : روى عن النبى صلىاللهعليهوآله أنه قال : لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره ـ والله يغفر له ـ حين يسأل عن البقرات العجاف والسمان ولو كنت مكانه ما اخبرتهم حتى أشترط أن يخرجونى من السجن ، ولعد عجبت من يوسف وصبره وكرمه ـ والله يغفر له ـ حين أتاه الرسول فقال : ارجع إلى ربك ؟ لو كنت مكانه ولبثت في السجن مالبث لاسرعت الاجابة وبادرتهم إلى الباب وما ابتغيت العذر انه كان حليما ذا أناة.
أقول : لوصح الخبر لكان هذا منه صلىاللهعليهوآله تواضعا والمراد غيره. منه طاب الله ثراه.
قلت : ذكر الخبر الثعلبى مرسلا في العرائس والظاهر انه من مرويات العامة فقط.
(٢) تفسير القمى : ٣٢٣ م
(٣) قال الطبرسى : قال الزجاج : حصحص الحق اشتقاقه من الحصة ، أى بانت حصة الحق وجهته من حصة الباطل ، وقال غيره : هو مكرر من قولهم : حص شعره : إذا استأصل قطعه وأزاله عن الرأس فيكون معناه : انقطع الحق عن الباطل بظهوره وبيانه. وحصحص البعير بثفناته في الارض إذا حرك حتى تستبين آثارها فيه ، قال حميد :
وحصحص في صم الحصى ثفناته |
|
ورام القيام ساعة ثم صمما |