وإلا فما أدرى الملك أن السارق يؤخذ بسرقته « فصبر جميل » فأمري صبرجميل ، أو فصبر جميل أجمل « عسى الله أن يأتيني بهم جميعا » بيوسف وبنيامين وأخيهما الذي توقف بمصر « إنه هو العليم » بحالي وحالهم « الحكيم » في تدبيرها « وتولى عنهم » أي أعرض عنهم كراهة لما صادف منهم وقال يا أسفى على يوسف « أي يا أسف تعال فهذا أوانك ، والاسف أشد الحزن والحسرة ، والالف بدل من ياء المتكلم. قال البيضاوي : وفي الحدث : (١) لم تعط امة من الامم » إنا لله وإنا إليه راجعون « عند المصيبة إلا امة محمد ، ألا ترى إلى يعقوب حين أصابه ما أصاب لم يسترجع وقال : يا أسفا. انتهى ». (٢)
ثم اعلم أنه اختلف في قوله : « وابيضت عيناه من الحزن » كما أن الشيعة اختلفوا في أنه هل يجوز على الانبياء مثل هذا النقص في الخلقة ، قال الشيخ الطبرسي رحمهالله : فقيل : لا يجوز لان ذلك ينفر ; وقيل : يجوز إن لا يكون فيه تنفير ويكون بمنزلة سائر العلل والامراض انتهى. (٣) فمن لا يجوز ذلك يقول : إنه ما عمي ولكنه صار بحيث يدرك إدراكا ضعيفا ، أو يؤول بأن المراد أنه غلبه البكاء وعند غلبة البكاء يكثر الماء في العين فتصير العين كأنها ابيضت من بياض ذلك الماء ، ومن يجوز ذلك يحملها على ظاهرها ، والحق أنه لم يقم دليل على امتناع ذلك حتى نحتاج إلى تأويل الآيات والاخبار الدالة على حصوله ، على أنه يحتمل أن يكون على وجه لا يكون نقص فيه وعيب في ظاهر الخلقة ، والانبياء (ع) يبصرون بقلوبهم ما يبصر غيرهم بعينه.
قال البيضاوي في قوله تعالى : « تالله تفتؤ تذكر يوسف » أي لا تفتؤ ولا تزال تذكره تفجعا عليه ، فحذف « لا » حتى تكون حرضا مشفيا على الهلاك ، وقيل : الحرض الذي أذابه هم أو مرض « أو تكون من الهالكين » من الميتين « قال إنما أشكوا بثي » أي همي الذي لا أقدر الصبر عليه ، من البث بمعنى النشر. انتهى. (٤)
__________________
(١) قال الطبرسى : روى عن ابن جبير انه قال : لقد اعطيت هذه الامة عند المصيبة ما لم يعط الانبياء قبلهم : « إنا لله وإنا إليه راجعون » ولو اعطيها انبياء لاعطيها يعقوب إذ يقول : يا اسفا على يوسف. منه رحمهالله
(٢ و ٤) انوار التنزيل ١ : ٢٣٥. م
(٣) مجمع البيان : ٢٥٧. م