لاولئك بدليل على سخطه عليهم ولا لهوانه لهم ، (١) ولكنها كرامة وخيرة لهم ، ولو كان أيوب ليس من الله تعالى بهذه المنزلة إلا أنه أخ آخيتموه على وجه الصحبة لكان لايجمل يالحليم أن يعذل (٢) أخاه عند البلاء ، ولا يعيره بالمصيبة ، ولايعيبه بمالا يعلم وهو مكروب حزين ، ولكنه يرحمه ويبكي معه ويتسغفر له ويحزن لحزنه ، ويدل على مراشد أمره ، وليس بحكيم ولا رشيد من جهل هذا ، فالله الله أيها الكهول وقد كان في عظمة الله وجلاله وذكر الموت ما يقطع ألسنتكم ويكسر قلوبكم ، ألم تعلموا أن الله تعالى عبادا أسكتتهم خشيته من غير عي ولا بكم ، وإنهم لهم الفصحاء والبلغاء والاولياء النبلاء الالباء (٣) العالمون بالله وبآياته ، ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله انقطعت ألسنتهم ، واقشعرت جلودهم ، وانكسرت قلوبهم وطاشت عقولهم (٤) إعظاما لله وإعزازا وإجلالا فإذا استفاقوا استبقوا إلى الله تعالى بالاعمال الزاكية يعدون أنفسهم مع الخاطئين والظالمين وإنهم لابرار ، ومع المقصرين المفرطين (٥) وإنهم لاكياس أقوياء ولكنهم لا يستكثرون لله الكثير ، ولا يرضون له بالقليل ، ولا يدلون عليه بالاعمال ، (٦) فهم مروعون خاشعون مستكينون. فقال أيوب عليهالسلام : إن الله تعالى يزرع الحكمة بالرحمة في قلب الصغير والكبير ، (٧) فمتى تنبت في القلب يظهر الله تعالى على اللسان ، وليست تكون الحكمة من قبل السن والشيبة ولا طول التجربة ، وإذا جعل الله تعالى العبد حكيما في الصغر لم تسقط منزلته عند الحكماء وهم يرون من الله تعالى عليه نور الكرامة.
ثم أقبل أيوب عليهالسلام على الثلاثة فقال : أتيتموني غضابا ، رهبتم قبل أن تسترهبوا ،
__________________
(١) في المصدر : ثم ان بلاءهم ليس دليلا على سخطه عليهم ولاهوانهم عليه.
(٢) عذله : لامه.
(٣) في المصدر : وانهم لهم الفصحاء النبلاء البلغاء الالباء.
(٤) أى ذهبت عقولهم.
(٥) في المصدر : وإنهم برآء ويعدون انفسهم مع المفرطين المقصرين.
(٦) أى لا يمنون ولا يفتخرون عليه بأعمالهم.
(٧) في المصدر : في قلب المؤمن الكبير والصغير.