وبكيتم قبل أن تضربوا ، كيف بي (١) لو قلت لكم : تصدقوا عني بأموالكم لعل الله تعالى أن يخلصني؟ وقربوا عني قربانا لعل الله تعالى يتقبله ويرضى عني؟ وإنكم قد أعجبتكم أنفسكم وظننتم أنكم قد عوفيتم بإحسانكم فهنا لك بغيتم وتعززتم ، ولو نظرتم فيما بينكم وبين ربكم ثم صدقتم لوجدتم لكم عيوبا سترها الله تعالى بالعافية التي ألبسكم ، وقد كنت فيما خلا والرجال يوقرونني (٢) وأنا مسموع كلامي ، معروف حقي ، منتقم من خصمي ، (٣) فأصبحت اليوم وليس لي رأي ولا كلام معكم ، فإنكم كنتم أشد علي من مصيبتي. (٤)
ثم أعرض عنهم وأقبل على ربه تعالى مستغيثا به متضرعا إليه فقال : رب لاي شئ خلقتني؟ ليتني إذ كرهتني لم تخلقني ، ياليتني كنت حيضة ألقتني أمي ، وياليتني عرفت الذنب الذي أذنبت والعمل الذي عملت فصرفت وجهك الكريم عني ، لو كنت أمتني فألحقتني بآبائي فالموت كان أجمل إلي ، (٥) ألم أكن للغريب دارا؟ وللمسكين قرارا؟ ولليتيم وليا؟ وللارملة قيما؟ إلهي أنا عبد ذليل إن أحسنت فالمن لك ، وإن أسأت فبيدك عقوبتي ، جعلتني للبلاء غرضا ، وللفتنة نصبا ، وقد وقع علي بلاء لو سلطته على جبل ضعف عن حمله ، فكيف يحمله ضعفي؟ إلهي تقطعت أصابعي فإني لارفع الاكلة من الطعام بيدي جميعا فما تبلغان فمي إلا على الجهد مني ، تساقطت لهواتي ولحم رأسي ، فما بين أذني من سداد حتى أن أحد هما يرى من الآخر ، وإن دماغي ليسيل من فمي ، تساقط شعر عيني ، فكأنما حرق بالنار وجهي ، وحد قتاي متدليتان على خدي ، وورم لساني حتى ملا فمي ، فما أدخل منه طعاما إلا غصني ، وورمت شفتاي حتى غطت العليا أنفي والسفلى ذقني ، وتقطعت أمعائي في بطني ، فإني لادخله الطعام فيخرج كما
__________________
(١) في المصدر : كيف بكم.
(٢) في المصدر : وقد كنتم فيما خلا الرجال توقروننى.
(٣) في المصدر : منتصف من خصمى.
(٤) في المصدر : فانتم اليوم أشد على من مصيبتى.
(٥) في المصدر : أجمل لى. يا الهى اه.