أم من حكمتك تبصر العقاب الصيد البعيد ، وأصبح في أماكن القتلى؟ (١)
فقال أيوب عليهالسلام : قصرت عن هذا الامر الذي تعرض علي ، ليت الارض انشقت لي فذهبت فيها ولم أتكلم بشئ يسخط ربي اجتمع علي البلاء (٢) إلهي قد جعلتني لك مثل العدو ، وقد كنت تكرمني ، وتعرف نصحي ، وقد علمت أن كل الذي ذكرت صنع يديك وتدبير حكمتك ، وأعظم من هذا لو شئت عملت ، لا يعجزك شئ ، ولايخفى عليك خافية ، ولا يغيب عنك غائبة ، من هذا الذي يظن أن يسر عنك سرا وأنت تعلم ما تخطر على القلوب؟ (٣) وإنما تكلمت لتعذرني ، وسكت حين سكت لترحمني ، كلمة زلت عن لساني فلن أعود ، وقد وضعت يدي على فمي ، وعضضت على لساني ، وألصقت بالتراب خدي ودمست فيه وجهي لصغاري ، وسكت كما أسكتتني خطيئتي ، فاغفر لي ما قلت فلن أعود لشئ تكرهه مني.
فقال الله تعالى : يا أيوب نفذ فيك علمي ، وسبقت رحمتي غضبي ، إذا خطئت فقد غفرت لك (٤) ورددت عليك أهلك ومالك ومثلهم معهم لتكون لمن خلفك آية ، وتكون عبرة لاهل البلاء ، وعزا للصابرين ، (٥) اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ، فيه شفاء ، وقرب عن صحابتك قربانا ، واستغفر لهم فإنهم قد عصوني فيك. فركض برجله فانفجرت له عين فدخل فيها فاغتسل فأذهب الله تعالى عنه كل ما كان به من البلاء ، ثم خرج فجلس وأقبلت امرأته فقامت تلتمسه في مضجعه فلم تجده ، فقامت مترددة كالواله (٦) ثم قالت : يا عبدالله هل لك علم بالرجل المبتلى الذي كان ههنا؟ فقال لها : فهل تعرفينه إذا رأيته؟ قالت : نعم ، ومالي لا أعرفه ، فتبسم وقال : أنا هو ، فعرفته بمضحكه
__________________
(١) قد أسقط المصنف من هنا قطعة يطول ذكرها فمن شاء فليراجع المصدر.
(٢) في المصدر : حين اجتمع على البلاء.
(٣) في المصدر زيادة وهى هذه وقد علمت منك في بلائى هذا مالم أكن أعلم ، وخفت أن يكون أمر أكثر مما كنت أخاف ، انما كنت أسمع بصوتك فاما الان فهو نظر العين.
(٤) في المصدر : فقد غفرت لك ماقلت ورحمتك ورددت.
(٥) في المصدر : وعزاء للصابرين ، فاركض اه.
(٦) في المصدر : فقامت متكدرة كالوالهة فمرت به فقالت : يا عبدالله.