أرى؟ قال : بلى يارب ولكن لاغنى بي (١) عن فضلك ورحمتك ، ومن يشبع من نعمك؟
وقال الحسن : مكث أيوب مطروحا على كناسة في مزبلة لبني إسرائيل سبع سنين وأشهرا يختلف فيه الدواب ; وقال وهب : لم يكن بأيوب اكلة إنما يخرج منه مثل ثدي النساء ثم تتفقا ; (٢) قال الحسن : ولم يبق له مال ولا ولد ولا صديق ولا أحد يقربه غير رحمة صبرت معه تصدق (٣) وتأتيه بطعام وتحمد الله تعالى معه إذا حمد ، وأيوب على ذلك لا يفتر من ذكر الله والثناء عليه والصبر على ما ابتلاه ، فصرخ عدو الله إبليس صرخة جمع فيها جنوده من أقطار الارض جزعا من صبر أيوب ، فلما اجتمعوا إليه قالوا : ما أحزنك؟ قال : أعياني هذا العبد الذي سألت الله أن يسلطني على ماله وولده ، فلم أدع له مالا ولا ولدا فلم يزد بذلك إلا صبرا وثناء على الله تعالى ، ثم سلطت على جسده وتركته قرحة ملقاة على كناسة بني إسرائيل لا يقربه إلا امرأته فقد افتضحت بربي فاستغثت بكم لتعينوني عليه ، فقالوا له : أين مكرك؟ أين علمك الذي أهلكت به من مضى؟ قال : بطل ذلك كله في أمر أيوب فأشيروا علي ، قالوا : نشير عليك ، أرأيت آدم حين أخرجته من الجنة من أين آتيته؟ قال : من قبل امرأته ، قالوا : فأته من قبل امرأته فإنه لا يستطيع أن يعصيها وليس أحد يقربه غيرها ، قال : أصبتم ، فانطلق حتى أتى امرأته وهي تصدق ، فتمثل لها في صورة رجل فقال : أين بعلك ياأمة الله؟ قالت : هو ذلك يحك قروحه ويتردد الدواب في جسده ، فلما سمعها طمع أن يكون كلمة جزع فوسوس إليها فذكرها ما كانت فيه من النعيم والمال ، وذكرها جمال أيوب وشبابه وما هو فيه من الضر وأن ذلك لاينقطع عنهم أبدا.
قال الحسن : فصرخت فلما صرخت علم أن قد جزعت فأتاه بسخلة فقال : ليذبح هذا لي أيوب ولا يذكر عليه اسم الله عزوجل فإنه يبرء ، قال : فجاءت تصرخ : يا أيوب حتى متى يعذبك ربك؟ ألا يرحمك؟ أين المال؟ أين الماشية؟ أين الولد؟ أين الصديق
__________________
(١) في المصدر : لا غنى لى.
(٢) أى تشقق.
(٣) في المصدر : غير رحمة امرأته صبرت معه تخدمه وتأتيه بطعام.