الارض ، فاستدل عليهالسلام ثانيا بخلق أنفسهم ، فنسبه إلى الجنون سفها ومكابرة ومعاندة كما كان دأب جميع كفرة الامم حيث كانوا ينسبون أنبياءهم بعد إتمام الحجج عليهم إلى الجنون.(١)
ثم استدل عليهالسلام بحركات الافلاك واختلاف الليل والنهار ، فلما رأى فرعون أنه يظهر الرب لقومه بآثاره عدل عن الاحتجاج إلى التهديد والوعيد ، فقال موسى : « أو لو جئتك بشئ مبين » أي أتفعل ذلك ولو جئتك بشئ يبين صدق دعواي؟ يعني المعجزة ، قوله : ( لا ضير ) أي لا ضرر علينا في ذلك. قوله : ( أن كنا ) أي بأن كنا قوله : ( مشرقين ) أي داخلين في وقت شروق الشمس. والحصان بالكسر الفرس الذكر الاصيل ، ويسمى كل ذكر من الخيل حصانا والرمكة محركة الفرس والبرذونة تتخذ للنتاج.
٢٢ ـ فس : وقال فرعون : « يا أيها الملا ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لاظنه من الكاذبين » قال : فبنى هامان له في الهواء صرحا حتى بلغ مكانا في الهواء لم يقدر(٢) الانسان أن يقوم عليه من الرياح القائمة في الهواء ، فقال لفرعون : لا نقدر أن نزيد على هذا ، وبعث الله رياحا فرمت به ، فاتخذ فرعون(٣) عند ذلك التابوت وعمد إلى أربعة أنسر فأخذ فراخها ورباها حتى إذا بلغت وكبرت عمدوا إلى جوانب التابوت الاربعة فغرزوا(٤) في كل جانب منه خشبة ، وجعلوا على رأس كل خشبة لحما ، وجوعوا الانسر وشدوا
_________________
(١) يمكن أن يقال في توجيه اختلاف الاجوبة أنه أجاب أولا بما يدل على وجوده وعظم قدرته ، ثم أجاب بما يدل على علمه وحكمته ، اذ خالق الانسان الحكيم لابد وأن يكون أعلم منه وأحكم ، اذ بديهة العقل تحكم بأن العلة أشرف وأحكم من المعلول ، ثم أجاب بما يدل على لطفه ورحمته ، حيث هيأ لعباده مما يحتاجون اليه من معايشهم بخلق الشمس والقمر والكواكب وتدبير حركاتها على نظام مخصوص به تحصل الفصول الاربعة التى بها تنمو الحبوب والثمار ، وعليها تصلح الابدان ، فلما نبههم على أنه لا يمكن معرفة ذاته تعالى هداهم إلى معرفة صفاته بوجه يتيسر لهم غاية العرفان إذا تدبروا حق التدبير. منه رحمهالله.
(٢) في المصدر : لا يتمكن. م
(٣) في المصدر : وهامان. م
(٤) أى أثبتوا.