يريدون قتالنا ، فطرحهم بين يديها ، وقال : ألا أطحنهم برجلي؟ فقالت امرأته : لا بل خل عنهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا ، ففعل ذلك ، فجعلوا يتعرفون أحوالهم ، وكان لا يحمل عنقود عنبهم إلا خمسة أنفس بالخشب! ويدخل في شطر الرمانة إذا نزع حبها خمسة أنفس أو أربعة! فلما خرجوا قال بعضهم لبعض : يا قوم إنكم إن أخبرتم بني إسرائيل خبر القوم شكوا وارتدوا عن نبي الله ، ولكن اكتموا شأنهم وأخبروا موسى وهارون فيريان فيه رأيهما ، فأخذ بعضهم على بعض الميثاق بذلك ، ثم انصرفوا إلى موسى عليهالسلام بعد أربعين يوما وجاؤوا بحبة من عنبهم وقر رجل ، وأخبروا بما رأوا ، ثم إنهم نكثوا العهد وجعل كل واحد منهم ينهى سبطه وقريبه عن قتالهم ويخبرهم بما رأوا من حالهم إلا رجلان منهم وفيا بما قالا : يوشع بن نون ، وكالب بن يوفنا ختن موسى عليهالسلام على اخته مريم ، فلما سمع القوم ذلك من الجواسيس رفعوا أصواتهم بالبكاء وقالوا : يا ليتنا متنا في أرض مصر ، وليتنا نموت في هذه البرية ولا يدخلنا الله القرية فتكون نساؤنا وأولادنا وأثقالنا غنيمة لهم ، وجعل الرجل يقول لاصحابه : تعالوا نجعل علينا رأسا وننصرف إلى مصر ، فذلك قوله تعالى إخبارا عنهم : « قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين » قال قتادة : كانت لهم أجسام طويلة وخلقة عجيبة ليست لغيرهم « وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون » فقال لهم موسى : « ادخلوا الارض المقدسة التي كتب الله لكم » فإن الله عزوجل سيفتحها عليكم ، وإن الذي أنجاكم وفلق البحر هو الذي يظهركم عليهم فلم يقبلوا وردوا عليه أمره وهموا بالانصراف إلى مصر ، فخرق يوشع وكالب ثيابهما و هما اللذان أخبر الله عزوجل عنهما في قوله : « قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما » بالتوفيق والعصمة « ادخلوا عليهم الباب » يعني قرية الجبارين « فإذا دخلتموه فإنكم غالبون » لان الله عزوجل منجز وعده ، وإنا رأيناهم وخبرناهم فكانت أجسامهم قوية وقلوبهم ضعيفة فلا تخشوهم « وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين » فأراد بنو إسرائيل أن يرجموهما بالحجارة وعصرهما ، وقالوا : « يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون » فغضب موسى ودعا عليهم فقال : « رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين » أي فاقض وافصل بيننا وبين القوم