الصدر. والمراد بالابانة في المواضع إما طلب الامتياز وإظهار الفضل أو إظهار أصل الفعل ، وربما يقرء الانانية في المواضع.(١)
قوله : ( لعلة ذكر التعييب ) أي إنما لم ينسب الفعل إليه تعالى رعاية للادب ، لان نسبة التعييب إليه تعالى غير مناسب ، وأما ما يناسب أن ينسب إليه تعالى فهو إرادة صلاحهم بهذا التعييب. قوله : ( وإنما اشترك في الابانة ) الغرض بيان أنه لم قال : « فخشينا وأردنا » مع أنه كان الانسب نسبة الخشية إلى نفسه والارادة إليه تعالى ، أو كان المناسب نسبة المصالح جميعا إليه تعالى؟ ويمكن تقريره بوجهين :
الاول : أنه لما أمره تعالى بقتل الغلام وأخبره بأنه سيقع منه كفر ولم يأمن البداء فيما اخبر به فلذا عبر عنه بالخشية ، ولما كان ذلك بإخباره تعالى فقد راعى الجهتين ، ونسب إلى نفسه لكون الخشية من جهته ، ونسب إلى الرب تعالى أيضا ليعلم أنه إنما علم ذلك بإخباره تعالى ، فخشية الحيلوله كناية عن احتمال البداء ، أو يقال : إنه لما لم يأمن النسخ في الامر بالقتل وعلى تقديره كان يتحقق طغيانه بوالديه ويحرم الخضر عن امتثال هذا الامر فكأنه قال : إنما بادرت إلى ذلك أو فعلت ذلك مبادرا لاني خشيت أن ينسخ هذا الامر فيرهقهما طغيانا ولم أفز بثواب هذه الطاعة ، أو خشيت أن يحول مانع بيني وبينه وإن لم ينسخ فلم يتأت مني فعله وأكون محروما من ثوابه ، وأما نسبته إلى الرب فالوجه فيه ما ذكرنا أولا.
وأما قوله : « فأردنا » فلما لم يكن فيه هذه النكتة نسبه إلى البشرية ، أي إنما عبر عن الارادة كذلك لانه عمل فيه البشرية في وسط الكلام ، إذ التعبير عن الخشية لم يكن من البشرية ، وفي آخر الكلام نسب الابدال إلى الرب ، وإنما كان عمل البشرية في التعبير عن الارادة في وسط الكلام.
الثاني : أن يكون الاشتراك في الخشية والارادة كلتيهما منسوبا إلى البشرية ، فيكون قوله : ( لانه خشي ) تعليلا لاحد جزئي الاشتراك ، أعني نسبة الخشية إلى نفسه. وقوله : ( فعمل فيه ) تعليل لنسبة الخشية إلى الرب ونسبة الارادة إلى نفسه
_________________
(١) وهو بعيد في الغاية.