كتاب لا يشتمل على سب آلهتهم والطعن في طرائقهم ، فأمر بأن يجيبهم بأن هذا التبديل غير جائز مني « إن أتبع إلا ما يوحى إلي » وإنما لم يتعرض للاتيان بقرآن غير هذا لانه لما بين أنه لا يجوز له أن يبدله من تلقاء نفسه لانه وارد من الله تعالى ، ولا يقدر على مثله كما لا يقدر سائر العرب على مثله ، وكان ذلك متقررا في نفوسهم بسبب ما تقدم من تحديه لهم بمثل هذا القرآن فقد دلهم بذلك على أنه لا يتمكن من قرآن غير هذا ، ثم لما كان هذا الالتماس لاجل أنهم اتهموه بأنه هو الذي يأتي بهذا الكتاب من عند نفسه على سبيل الاختلاق ، فلهذا احتج عليهم بأن اولئك الكفار كانوا قد شاهدوا رسول الله صلىاللهعليهوآله من أول عمره إلى ذلك الوقت ، وكانوا عالمين بأحواله ، وأنه ما طالع كتابا ، ولا تلمذ (١) لاستاذ ، ولا تعلم من أحد ، ثم بعد انقراض أربعين سنة على هذا الوجه جاءهم بهذا الكتاب العظيم المشتمل على نفائس علم الاصول ، ودقائق علم الاحكام ، ولطائف علم الاخلاق ، وأسرار قصص الاولين ، وعجز عن معارضته العلماء ، والفصحاء ، والبلغاء فكل من له عقل سليم فإنه يعرف أن مثل هذا لا يحصل إلا بالوحي والالهام من الله ، فقوله : « لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به » حكم منه (ص) بان هذا القرآن وحي من عند الله ، وقوله : « فقد لبثت فيكم عمرا من قبله » إشارة إلى الدليل الذي قررناه ، قوله : « ولا أدراكم به » أي ولا اعلمكم به (٢) ، وقال في قوله تعالى : «وما كان هذا القرآن أن يفترى » : حاصله أن هذا القرآن لا يقدر عليه أحد إلا الله عزوجل ، ثم إنه احتج على هذه الدعوى بامور :
الاول : قوله « ولكن تصديق الذي بين يديه » وتقريره من وجوه :
الاول : أنه (ص) كان رجلا اميا ما سافر إلى بلدة لاجل التعلم ، وما كانت مكة بلدة العلماء ، وما كان فيها شئ من كتب العلم ، ثم إنه (ص) أتى بهذا القرآن ، وكان مشتملا على أقاصيص (٣) ، والقوم كانوا في غاية العداوة له ، فلو لم تكن هذه الاقاصيص موافقة لما في التوراة والانجيل لقدحوا فيه ، ولبالغوا في الطعن فيه ، فلما لم يفعلوا علمنا
___________________
(١) على وزن دحرج.
(٢) مفاتيح الغيب ٤ : ٨١٦ و ٨١٧ ، أقول : هذا ملخص كلامه.
(٣) في المصدر : على أقاصيص الاولين.