قهره لاهلها ، وإظهار عز الاسلام ، وإذلال حزب الكفر ، والسورة مكية : فكأن الله تعالى وعده وهو بمكة في أذى وغلبة من أهلها أنه يهاجر منها ويعيده إليها ، وقال مقاتل : إنه (ص) خرج من الغار ، وسار في غير الطريق مخافة الطلب ، فلما رجع إلى الطريق و نزل بالجحفة بين مكة والمدينة وعرف الطريق إلى مكة اشتاق إليها ، وذكر مولده و مولد أبيه ، فنزل جبرئيل وقال : تشتاق إلى بلدك ومولدك؟ فقال (ص) : نعم ، فقال جبرئيل عليهالسلام : إن الله يقول : « إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد » يعني مكة ظاهرا عليهم ، وهذا مما يدل على نبوته ، لانه أخبر عن الغيب ووقع كما أخبر (١).
قوله تعالى : « لارتاب المبطلون » قال الرازي : فيه معنى لطيف ، وهو أن النبي (ص) إذا كان قارئا كاتبا ما كان يوجب كون الكلام كلامه ، فإن جميع كتبة الارض وقرائها لا يقدرون عليه ، لكن على ذلك التقدير يكون للمبطل وجه ارتياب ، و على ما هو عليه لا وجه لارتيابه فهو أدخل في البطلان (٢).
قوله تعالى : « غلبت الروم » قال الطبرسي رحمهالله : قال المفسرون : غلبت فارس الروم وظهروا عليهم على عهد رسول الله (ص) ، وفرح بذلك كفار قريش من حيث إن أهل فارس لم يكونوا أهل كتاب : وساء ذلك المسلمين ، وكان بيت المقدس لاهل الروم كالكعبة للمسلمين ، فدفعهم فارس عنه.
وقوله : « في أدنى الارض » أي أدنى الارض من أرض العرب ، وقيل : في أدنى الارض من أرض الشام إلى أرض فارس ، يريد الجزيرة ، وهي أقرب أرض الروم إلى فارس ، و قيل : يريد أزرعات (٣) وكسكر « وهم » يعني الروم « من بعد غلبهم » أي غلبة فارس
___________________
(١) مفاتيخ الغيب ٦ : ٤٢٥.
(٢) مفاتيخ الغيب ٦ : ٤٥٧.
(٣) هكذا في نسخة المصنف ، والصحيح كما في المصدر : أذرعات بالذال المعجمة ، هو بلد في أطراف الشام يجاور أرض البلقاء وعمان.
وكسكر بالفتح ثم السكون : كورة واسعة ، قصبتها اليوم واسط القصبة التى بين الكوفة و البصرة ، وكانت قصبتها قبل أن يمصر الحجاج واسطا خسرو سابور ، ويقال : إن حد كورة كسكر من الجانب الشرقى في آخر سقى النهروان إلى أن تصب دجلة في البحر كله من كسكر ، فتدخل فيه على هذا البصرة ونواحيها. قاله ياقوت.