إياهم « سيغلبون » فارس « في بضع سنين » وهذه من الآيات الدالة على أن القرآن من عند الله عزوجل ، لان فيه إنباء ما سيكون ، ولا يعلم ذلك إلا الله عزوجل « لله الامر من قبل ومن بعد » أي من قبل أن غلبت الروم ومن بعد ما غلبت ، فإن شاء جعل الغلبة لاحد الفريقين على الآخر ، وإن شاء جعل الغلبة للفريق الآخر عليهم ، وإن شاء أهلكهما جميعا « ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله » أي ويوم يغلب الروم فارسا يفرح المؤمنون بدفع الروم فارسا عن بيت المقدس ، لا بغلبة الروم على بيت المقدس ، فإنهم كفار ، ويفرحون أيضا لوجه آخر ، وهو اغتمام المشركين بذلك ، ولتصديق خبر الله وخبر رسوله ، ولانه مقدمة لنصرهم على المشركين « ينصر من يشاء » من عباده « وهو العزيز » في الانتقام من أعدائه « الرحيم » بمن أناب إليه من خلقه « وعد الله » أي وعد الله ذلك « لا يخلف الله وعده » بظهور الروم على فارس « ولكن أكثر الناس » يعني كفار مكة « لا يعلمون » صحة ما أخبرنا به لجهلهم بالله.
القصة : عن الزهري قال : كان المشركون يجادلون المسلمين وهم بمكة يقولون : إن أهل الروم أهل كتاب وقد غلبهم الفرس ، وأنتم تزعمون أنكم ستغلبون بالكتاب الذي انزل على نبيكم فسنغلبكم كما غلبت فارس الروم ، فأنزل الله تعالى : « الم غلبت الروم » إلى قوله : « في بضع سنين » قال : فأخبرني عبيدالله بن عتبة بن مسعود أن أبابكر ناحب (١) بعض المشركين قبل أن يحرم القمار ، على شئ إن لم يغلب فارس في سبع سنين ، فقال رسول الله (ص) : لم فعلت؟ فكل ما دون العشرة بضع ، فكان ظهور فارس على الروم في تسع سنين ، ثم أظهر الله الروم على فارس زمن الحديبية ، ففرح المسلمون بظهور أهل الكتاب ، وروى أبوعبدالله الحافظ بالاسناد عن ابن عباس في قوله : « الم غلبت الروم » قال : قد مضى ، كان ذلك في أهل فارس والروم ، وكانت فارس قد غلبت عليهم ، ثم غلبت الروم بعد ذلك ، ولقي نبي الله مشركي العرب ، والتقت الروم وفارس فنصر الله النبي صلىاللهعليهوآله ومن معه من المسلمين على مشركي العرب ، ونصر أهل الكتاب على مشركي العجم ، ففرح المؤمنون بنصر الله إياهم ، ونصر أهل الكتاب على العجم ، قال عطية
___________________
(١) المناحبة : المخاطرة والمراهنة منه قدسسره.