خلال اختياره ولا يشعر بالرعاية الإلهية وهيمنة الله تعالىٰ علىٰ حركته وحياته إلّا نادراً . وهو لا شكّ إحساس خاطىء ينشأ من احتجابه عن الله تعالىٰ وألطافه الخفية ، وإلّا فإنّ مساحة الأمر بين الأمرين هي كلّ مساحة حياة الإنسان ، وهو في كلّ شؤونه وأعماله وحركاته يتعامل مع الله تعالىٰ ، ويأخذ من الله من حيث لا يشعر ، ولله تعالىٰ في حياة الإنسان إمدادات غيبيّة وألطاف خفية لا يشعر بها الإنسان ، إلّا من آتاه الله تعالىٰ من عنده بصيرة وفقهاً ومعرفة .
روىٰ الكليني رحمهالله في ( الكافي ) والصدوق في ( التوحيد ) عن يونس بن عبد الرحمن ، عن غير واحد ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام ـ قالا : « إنّ الله أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه علىٰ الذنوب ثمّ يعذّبهم عليها ، والله أعزّ من أن يريد أمراً فلا يكون » . فسئُلا هل بين الجبر والقدر منزلة ثالثة ؟ قالا عليهماالسلام : « نعم ، أوسع مما بين السماء والأرض » (١) .
وفي رواية اُخرىٰ للكليني رحمهالله في ( الكافي ) عن يونس ، عن عدّة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال له رجل : جعلت فداك ، أجبر الله العباد علىٰ المعاصي ؟ قال عليهالسلام : « الله أعدل من أن يجبرهم على المعاصي ثمّ يعذّبهم عليها » . فقال له : جُعلت فداك ، ففوّض الله إلىٰ العباد ؟ قال عليهالسلام : « لو فوّض إليهم لم يحصرهم بالأمر والنهي » . فقال له : جعلت فداك ، فبينهما منزلة ؟ قال : فقال عليهالسلام : « نعم أوسع ما بين السماء والأرض » (٢) .
وهذه الأحاديث والنصوص تبيّن لنا حقيقة هامّة يجب أن نأخذها بنظر
________________
(١) الكافي ١ : ١٥٩ / ٩ باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ـ كتاب التوحيد .
(٢) الكافي ١ : ١٥٩ / ١١ باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ـ كتاب التوحيد .