وأوجبته الحجج العقلية ، وإن تعذر فيها بناء وتأويل وتخريج وتنزيل فليس غير الاطراح لها وترك التعريج(١) عليها ، ولو اقتصرنا على هذه الجملة لاكتفينا فيمن يتدبر ويتفكر.
وقد يجوز أن يكون المراد بذم هذه الاجناس من الطير أنها ناطقة بضد الثناء على الله وبذم أوليائه ونقص أصفيائه ذم متخذيها ومرتبطيها ، وأن هؤلاء المغرين بمحبة هذه الاجناس واتخاذها هم الذين ينطقون بضد الثناء على الله تعالى ويذمون أولياءه وأحباءه ، فأضاف النطق إلى هذه الاجناس وهو لمتخذيها أو مرتبطيها للتجاور والتقارب وعلى سبيل التجوز والاستعارة ، كما أضاف الله تعالى السؤال في القرآن إلى القرية وإنما هو لاهل القرية ، وكما قال تعالى : « وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا * فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا(٢) » وفي هذا كله حذوف ، وقد اضيف في الظاهر الفعل إلى من هو في الحقيقة متعلق بغيره ، والقول في مدح أجناس من الطير والوصف لها بأنها تنطق بالثناء على الله والمدح لاوليائه يجري على هذا المنهج الذي نهجناه.
فان قيل : كيف يستحق مرتبط هذه الاجناس مدحا بارتباطها ، ومرتبط بعض آخر ذما بارتباطه حتى علقتم المدح والذم بذلك؟.
قلنا : ماجعلنا لارتباط هذه الاجناس حظا في استحقاق مرتبطيها مدحا ولا ذما وإنما قلنا : إنه غير ممتنع أن تجري عادة المؤمنين الموالين لاولياء الله تعالى والمعادين لاعدائه بأن يألفوا ارتباط أجناس من الطير ، وكذلك تجري عادة بعض أعداء الله تعالى باتخاذ بعض أجناس الطير فيكون متخذ بعضها ممدوحا لامن أجل اتخاذه ، لكل لما هو عليه من الاتخاذ الصحيح ، فيضاف المدح إلى هذه الاجناس وهو لمرتبطها والنطق بالتسبيح والدعاء الصحيح إليها وهو لمتخذها تجوزا واتساعا ، وكذلك القول في الذم المقابل للمدح.
__________________
(١) اى وترك الاعتماد عليها ، يقال : فلان لايعرج على قوله أى لايعتمد عليه.
(٢) الطلاق : ٨ و ٩.