أنّ وصف الاقتضاء من عوارض المقتضي ، فيمتنع اتّصاف تلك الكليّات بكونها مقتضية فعلا قبل تحقّقها في الخارج ، فاستناد السببيّة أو المانعية إليها مؤوّل إلى القضيّة الفرضية ، فيجب على المتكلّم إذا كان في مقام البيان في ذلك المقام التنبيه على المقتضى الآخر للحكم لو لم ينحصر المقتضي في ذلك المذكور في الكلام ، خصوصا إذا كان هو الشارع الحكيم ، وخصوصا إذا كان الخطاب مرجعا للغائبين عن مجلس الخطاب ، بل للمعدومين في زمان الخطاب الذين يوجدون بعده ـ أيضا ـ فإذا لم ينبّه (١) ـ ولم يذكر سببا آخر ـ يفيد (٢) ذلك انحصار المقتضي في ذلك في كلّ مورد ، إذ لولاه لما كان هو وحده سببا لعموم الحكم ، وقد فرض أنّ ظاهر الخطاب ـ بالتقريب المذكور ـ انحصاره فيه ، فيلزمه عموم السلب في جانب المفهوم بالتقريب المتقدّم.
والحاصل : أنّ الفارق بين المقامين إنّما هو جريان قاعدة قبح الخطاب بلا بيان في أوّلهما دون الثاني ، إذ من المعلوم عدم قبح إيراد الخطاب مطلقا مع كون المراد هو المقيّد في الواقع إذا كان القيد حاصلا حال الخطاب ، فإذا فرضنا أنّ المقتضي لحكم الجزاء هي الأمور الجزئية ، مثل مجيء زيد ، وقيام عمرو ، وقدوم بكر ، وهكذا ، وفرضنا أنّ وجوب إكرام العلماء ـ مثلا ـ غير معلّق واقعا على خصوص مجيء زيد ، بل عليه وعلى قيام عمرو وقدوم بكر بحيث يكون السبب لوجوب إكرام العلماء على وجه العموم هو مجموع الثلاثة من حيث المجموع ، وفرضنا ـ أيضا ـ تحقّق الأخيرين حال التكلّم ، فيصحّ أن يقال حينئذ : ـ إن جاءك زيد فأكرم العلماء ـ من غير شائبة قبح فيه أصلا ، فلا يصحّ التمسّك حينئذ بإطلاق النسبة وتعليق (٣) عموم وجوب الإكرام على مجيء زيد على انحصار سبب عمومه
__________________
(١) في النسخة المستنسخة : لم يتنبّه ..
(٢) في النسخة المستنسخة : فيفيد ...
(٣) في النسخة المستنسخة ، وتعلّق ، والصحيح ما أثبتناه.