الثاني : أن المقام يقتضي المدح والتشريف لمن نزلت الآية فيه ، حيث جللهم بالكساء ولم يدخل فيه غيرهم ، وخصصهم بدعائه فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي ، على ما سبق في الاخبار ، وكذا التأكيد في الآية حيث أعاد التطهير بعد بيان إذهاب الرجس ، والمصدر وبعده منونا بتنوين التعظيم. وقد أنصف الرازي في تفسيره حيث قال في قوله تعالى : « ليذهب عنكم الرجس » أي يزيل عنكم الذنوب « ويطهركم » أي يلبسكم خلع الكرامة ، انتهى (١). ولا مدح ولا تشريف فيها دخل فيه الفساق والكفار.
الثالث أن الآية على مامر في بعض الروايات إنما نزلت بعد دعوة النبي لهم وأن يعطيه ما وعده فيهم ، وقد سأل الله أن يذهب عنهم الرجس ويطهرهم لا أن يريد ذلك منهم ويكلفهم بطاعته ، فلو كان المراد هذا النوع من الارادة لكان نزول الآية في الحقيقة ردا لدعوته النبي صلىاللهعليهوآله لا إجابه لها ، وبطلانه ظاهر.
وأجاب المخالفون عن هذا الدليل بوجوه : الاول أنا لا نسلم أن الآية نزلت فيهم بل المراد بها أزواجه لكون الخطاب في سابقها ولا حقها متوجها إليهن ، ويرد عليه أن هذا المنع بمجرده بعد ورود تلك الروايات المتواترة من المخالف والمؤالف غير مسموع وأما السند (٢) فمردود بما ستقف عليه في كتاب القرآن مما سننقل من روايات الفريقين أن ترتيب القرآن الذي بينبنا ليس من فعل المعصوم حتى لا يتطرق إليه الغلط ، مع أنه روى البخاري (٣) والترمذي وصاحب جامع الاصول عن ابن شهاب عن خارجة بن زيد ابن ثابت أنه سمع زيد بن ثابت يقول : فقدت آية في سورة الاحزاب حين نسخت الصحف قد كنت أسمع رسول الله يقرء بها ، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الانصاري « من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه » فألحقناها في سورتها من المصحف ، فلعل آية التطهير أيضا وضعوها في موضع زعموا أنها تناسبه ، أو أدخلوها في سياق مخاطبة الزوجات لبعض مصالحهم الدنيوية ، وقد ظهر من الاخبار عدم ارتباطها بقصتهن ، فالاعتماد في هذا الباب على النظم والترتيب ظاهر البطلان.
____________________
(١) مفاتيح الغيب ٦ : ٦١٥.
(٢) كذا في النسخ وهو تصحيف والصحيح : وأما السياق. راجع ص ٢٣٥ س ١٧ و ١٩ ( ب ).
(٣) صحيح البخارى ٣ : ١٤٠.