وإن لم يكشف الله تعالى هذه الغمة ومت أو قتلت والامور على ماهي عليه من الفتنة ودولة الضلالة « فلا تذهب نفسك عليهم حسرات » والآية من القرآن العزيز (١).
وسألت أبا جعفر يحيى بن محمد العلوي نقيب البصرة وقت قراءتي عليه عن هذا الكلام وكان رحمه الله على ما يذهب إليه من مذاهب العلوية منصفا وافر العقل فقلت له : من يعني عليهالسلام بقوله : « كانت أثرة شحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين »؟ ومن القوم الذين عناهم الاسدي بقوله : « كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به »؟ هل المراد يوم السقيفة أو يوم الشورى؟ فقال : يوم السقيفة ، فقلت : إن نفسي لا تتابعني (٢) أن أنسب إلى الصحابة عصيان الرسول ودفع النصر! فقال : وأنا فلا تسامحني أيضا أن أنسب الرسول إلى إهمال أمر الامامة وأن يترك الناس سدى (٣) مهملين ، وقد كان لا يغيب عن المدينة إلا ويؤمر عليها أميرا وهو حي ليس بالبعيد عنها فكيف لا يؤمر وهو ميت لا يقدر على استدراك ما يحدث؟
ثم قال : ليس يشك أحد من الناس أن رسول الله صلىاللهعليهوآله كان عاقلا كامل العقل ، أما المسلمون فاعتقادهم فيه معلوم وأما اليهود والنصارى والفلاسفة فيزعمون (٤) أنه حكيم تام الحكمة سديد الرأي ، أقام ملة وشرع شريعة واستجد ملكا عظيما بعقله و تدبيره ، وهذا الرجل العاقل الكامل يعرف طباع العرب وغرائزهم وطلبهم بالثارات و الذحول (٥) ولو بعد الازمان المتطاولة ، ويقتل الرجل من القبيلة رجلا من بيت آخر فلا يزال أهل ذلك المقتول وأقاربه يتطلبون القاتل ليقتلوه حتى يدركوا ثارهم منه ، فإن لم يظفروا به قتلوا بعض أقاربه وأهله ، فإن لم يظفروا بأحدهم قتلوا واحدا أو جماعة من تلك القبيلة به و إن لم يكونوا رهطه الادنين ، والاسلام لم يحل طبائعهم ولا غير هذه السجية المركوزة في
____________________
(١) من سورة فاطر : ٨.
(٢) في المصدر : لا تسامحنى.
(٣) السدى : المهمل.
(٤) أى يعتقدون.
(٥) الذحل : الثار.