ثم قال : « وهلم الخطب » هذا يقوي رواية من يروي عنه عليهالسلام أنه لم يستشهد إلا بصدر البيت ، لانه قال : دع عنك ما مضى وهلم ما نحن الآن فيه من أمر معاوية ، فجعل « هلم ما نحن [ الآن ] فيه من أمر معاوية » قائما مقام قول امرئ القيس « ولكن حديثا ما حديث الرواحل » وهلم لفظ يستعمل لازما ومتعديا ، فاللازم بمعنى تعال ، وأما المتعدي فهي بمعنى هات ، تقول : هلم كذا وكذا ، قال الله تعالى : « هلم شهداءكم (١) » يقول : ولكن هات ذكر الخطب ، فحذف المضاف ، والخطب : الحادث الجليل يعني الاحوال التي أدت إلى أن صار معاوية منازعا له في الرئاسة ، قائما عند كثير من الناس مقامه ، صالحا لان يقع في مقابلته وأن يكون ندا له! ثم قال : « فلقد أضحكني الدهر بعد إبكائه » يشير إلى ما كان عنده من الكآبة لتقدم من سلف عليه ، فلم يقنع الدهر له بذلك حتى جعل معاوية نظيرا له ، فضحك مما يحكم به الاوقات ويقتضيه تصرف الدهر وتقلبه وذلك ضحك تعجب واعتبار.
ثم قال : « ولا غرو والله » أي ولا عجب والله. ثم فسر ذلك فقال : « ياله خطبا يستفرغ العجب » أي يستنفده ويفنيه يقول : قد صار العجب لا عجب لان هذا الخطب استغرق التعجب فلم يبق منه ما يطلق عليه لفظ التعجب ، وهذا من باب الاغراق والمبالغة [ في المبالغة ]. والاود : العوج.
ثم ذكر تمالؤ قريش عليه فقال : « حاول القوم إطفاء نور الله من مصباحه » يعني ما تقدم من منابذة طلحة والزبير وأصحابهما له وما شفع ذلك من معاوية وعمرو وشيعتهما. و فوار الينبوع : ثقب البئر. قوله : « وجدحوا بيني وبينهم شربا » أي خلطوه ومزجوه و أفسدوه. والوبئ : ذو الوباء والمرض وهذا استعارة ، كأنه جعل الحال التي كانت بينه و بينهم قد أفسدها القوم وجعلوها مظنة الوباء والسقم كالشرب الذي يخلط بالسم أو بالصبر فيفسدويوبئ ، ثم قال : فإن كشف الله تعالى هذه المحن التي يحصل منها ابتلاء الصابرين والمجاهدين وحصل لي التمكن من الامر حملتهم على الحق المحض الذي لا يمازجه باطل ، كاللبن المحض الذي لا يخالطه شئ من الماء. « وإن تكن الاخرى » أي
____________________
(١) سورة الانعام : ١٥٠.