دون بلوغها أوفناء آجائها ، لاني لو نصبت نفسي فدعوتهم إلى نصرتي كانوا مني وفي أمري على أحد منزلتين : إما متبع مقاتل وإما مقتول إن [ لم ] يتبع الجميع ، وإما خاذل يكفر بخذلانه إن قصر في نصرتي أو أمسك عن طاعتي ، وقد علم (١) أنني منه بمنزلة هارون من موسى محل به في مخالفتي والامساك عن نصرتي ما أحل قوم موسى بأنفسهم في مخالفة هارون وترك طاعته ، ورأيت تجرع الغصص ورد أنفاس الصعداء ولزوم الصبر حتى يفتح الله أو يقضي بما أحب أزيد (٢) لي في حظي وأرفق بالعصابة التي وصفت أمرهم « وكان أمر الله قدرا مقدورا » ولو لم أتق هذه الحالة يا أخا اليهود ثم طلبت حقي لكنت أولى ممن طلبه لعلم من مضى من أصحاب رسول الله ومن بحضرتك منهم بأني كنت أكثر عددا وأعز عشيرة وأمنع رجالا وأطوع أمرا وأوضح حجة وأكثر في هذا الدين مناقب وآثارا لسوابقي وقرابتي ووراثتي فضلا عن استحقاقي ذلك بالوصية التي لا مخرج للعباد منها ، والبيعة المتقدمة في أعناقهم ممن تناولها ، ولقد قبض محمد عليهالسلام وإن ولاية الامة في يده وفي بيته لا في يد الاولى (٣) تناولوها ولا في بيوتهم ، ولاهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا أولى بالامر من بعده من غيرهم في جميع الخصال ، ثم التفت عليهالسلام إلى أصحابه فقال : أليس كذلك؟ قالوا : بلى يا أميرالمؤمنين.
فقال عليهالسلام : وأما الرابعة يا أخا اليهود فإن القائم بعد صاحبه كان يشاورني في موارد الامور فيصدرها عن أمري ، ويناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأيي ، لا أعلم أحدا ولا يعلمه أصحابي يناظره (٤) في ذلك غيري ولا يطمع في الامر بعده سواي ، فلما أن أتته (٥) منيته على فجأة بلا مرض كان قبله ولا أمر كان أمضاه في صحة من بدنه لم أشك أني قد استرجعت حقي في عافية بالمنزلة التي كنت أطلبها ، والعاقبة التي كنت ألتمسها وأن الله سيأتي بذلك على أحسن ما رجوت وأفضل ما أملت ، فكان من فعله أن ختم أمره
____________________
(١) في المصدر : وقد علم الله.
(٢) مفعول رأيت.
(٣) اولاء واولى : اسم موصول. وفي الاختصاص : لا في يد الذين تناولوها.
(٤) في (د) : لا يناظره.
(٥) في المصدر : فلما أتته.