ذلك مثل إنكاحه ابنته الزهراء سيدة نساء العالمين ، ومواخاته إياه بنفسه ، وإنه لم يندبه لامر مهم ولا بعثه في جيش قط إلى آخر عمره إلا كان هو الوالي عليه المقدم فيه ، ولم يول عليه أحدا من أصحابه وأقربيه ، وأنه لم ينقم (١) عليه شيئا من أمره مع طول صحبته إياه ، ولا أنكر منه فعلا ولا استبطأه ولا استزاده في صغير من الامور ولا كبير ، هذا مع كثرة ما عاتب سواه من أصحابه إما تصريحا وإما تلويحا.
واما ما يجري في هذه الافعال من الاقوال الصادرة عنه صلىاللهعليهوآله الدالة على تميزه ممن سواه المنبئة عن كمال عصمته وعلو رتبته فكثيرة ، ممها قوله يوم احد وقد انهزم الناس وبقي علي عليهالسلام يقاتل القوم حتى فض جمعهم (٢) وانهزموا فقال جبرئيل : إن هذه لهي المواساة ، فقال صلىاللهعليهوآله لجبرئيل : علي مني وأنا منه ، فقال جبرئيل : وأنا منكما فأجراه مجرى نفسه كما جعله الله سبحانه نفس النبي في آية المباهلة بقوله : « وأنفسنا (٣) ».
ومنها قوله صلىاللهعليهوآله لبريدة : يا بريدة لا تبغض عليا فإنه مني وأنا منه ، إن الناس خلقوا من أشجار شتى وخلقت أنار وعلي من شجرة واحدة.
ومنها قوله صلىاللهعليهوآله : علي مع الحق والحق مع علي يدور حيثما دار.
ومنها ما اشتهرت به الرواية من حديث الطائر وقوله صلىاللهعليهوآله : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر فجاء علي عليهالسلام.
ومنها قوله صلىاللهعليهوآله لابنته الزهراء لما عيرتها نساء قريش بفقر علي : أما ترضين يا فاطمة أني زوجتك أفدمهم سلما وأكثرهم علما؟ إن الله عزوجل اطلع إلى أهل الارض (٤) اطلاعة فاختار منهم أباك فجعله نبيا ، واطلع عليهم ثانية فاختار منهم بعلك فجعله وصيا ، وأوحى إلي أن انكحكه ، أما علمت يا فاطمة أنك بكرامة الله إياك زوجتك أعظمهم حلما وأكثرهم علما وأقدمهم سلما؟ فضحكت فاطمة عليهماالسلام واستبشرت ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا فاطمة إن لعلي ثمانية أضراس قواطع لم تجعل لاحد من الاولين
____________________
(١) نقم الامر على فلان : أنكره عليه وعابه وكرهه أشد الكراهة لسوء فعله.
(٢) فض القوم : فرقهم.
(٣) سورة آل عمران : ٦١.
(٤) في المصدر : على أهل الارض.